عرف الشعب طريقه اليوم، وحدد بوصلة اتجاهه، وإلى أين يمضي واثق الخطى وهو اليوم ينتقل من ثورة في الساحات إلى ثورة في المؤسسات، بهذه الروح النشطة التي تستلهم معنى الانتصار الحقيقي للثورة السلمية، تقدم الجماهير تجربة رائعة لإزالة ركام الفساد والإفساد وتطهير مؤسسات الشعب من قوى مارست التسلط ونهب المال العام ولم يردعها ضمير أو خوف من مسائلة.
وإذاً ليس سوى الجماهير صاحبة المصلحة الحقيقية، التي عليها أن تنجز الفرح وتحدد مالذي يجب، وتقدم ثورة في مستوى التطلع إلى الأمام، ليجد الفاسدون أنفسهم يترنحون خوفاً ورعباً، وترتعش مفاصلهم لشدة ما يجري من تحولات، ما كانوا ذات زمن يفكرون فيها، أو أن يوماً سيجيء عليهم نكدا، وأن هذه الجماهير ستخرج عليهم مثل الطوفان الهادر .
عرف الشغب طريقه، وهو يمضي سفراً قاصداً الحياة، من تعز إلى صنعاء ويمر بالتاريخ في محطات التقاء وتآلف وحب، يكتب عناوين ثورة تتوهج يوماً إثر يوم، وكل يوم يمر تزداد رسوخاً وقوة ووثوقية بالنصر، وتقدم حكاية شعب أسطوري في نضالاته وتصميمه على استرداد الوطن من مغتصبيه، وقد أوشك على الغرق فساداً والخنق معصية، لولا هذه الجماهير التي تمضي على الدرب يقيناً بأن النصر لرواده،والثورة لعشاقها،والوطن لمحبيه..هكذا هي رحلة اليوم حكاية تلد حكاية، وبطولة تفتح بطولات متواليات من الرائع التي لا تقف إلا لتبدأ.. قوافل اليوم تهز أرجاء الوطن, يعلو فيها هتاف النصر وتشق أصواتهم أرجاء الفضاء، ترعب القتلة والفاسدين الذين استحلوا دماءً ومالاً حراماً.
وإذاً من هذه القوافل تقبل الحياة علينا، ونأتي إلى وطن ركنه الوثيق الإيمان بهزيمة الطغاة، لنطل على عالم نهواه، ولنكتب بالضوء وقع أقدام القادمين إلى الساحات براياتهم، وعناوينهم الوطنية..ومن ثورة مؤسسات وإطاحة فساد ورحلة عشق للأرض تبدأ من تعز الباسلة إلى صنعاء مروراً بمحطات ثورية تزهو بالقادم وتحتفي به وتقيم ولائم الانتصار له, ويغدو الزمن مشرقاً كما لم يشرق من قبل، ويصير للأرض فتحها المبين حين تمتلك الجماهير إرادتها ،حريتها ،وقوة نضالها وإصرارها إلى المضي إلى حيث يجب أن تكون الثورة،وفاءً لدماء الشهداء وأرواحهم الطاهرة، هؤلاء الذين هم أكرم خلق الله بما قدموه للوطن.
وإذاً يحق لهذا الاستثنائي القادم من حنايا المظلومين المقهورين؛ أن يكون تاجاً مرصعاً نصراً، وأن تكون الدروب كلها في حالة زهو، لأن ثمة متوالي تقدمه الثورة من ذاتها، ولا يقبل بغير الرائع بمعانيه الجليلة السامية، حيث الالتقاء في محطات السفر حشد إضافي يندر أن حدث مثله في التاريخ الإنساني.. هكذا من أجل الثورة يجيء اليمانيون من تعز إلى صنعاء، وتحتفي اليمن بأبنائها الرائعين الذين يقدمون التفرد في العشق للوطن وحب الحرية وإكساب الوطن هذا التألق، فمن ذات الرحلة إلينا في صنعاء نشعر أننا نمتلك هذه القوة الجبارة التي تصعد الجبال، وتمخر عجاج الأرض، وتعبر الأرجاء بأقدام قوية وعزيمة فولاذية ونداء الحرية،الحرية .
ويالروعة هذا المشهد الخلاق للثورة ونبل الإنسان فيها، وعمق معاني الولاء للوطن.. مسيرة راجلة مظفرة تنطلق بإصرار لاقبل لقوى التخلف بها أبداً، بل وتجعلها قوى تعيش الأزمات كلها بمقدار فسادها الكبير؛ ذلك لأنها رحلة ليست من ترف وفائض وقت، وإنما من حاجة لثورة سلمية الوجه واليد واللسان، تؤكد على ثقافة حب وإيمان عظيم بالإنسان واقتداره في صنع أنبل معاني القيم الإنسانية، وبروح مثابرة وقادرة على إنتاج ما يستحق أن ينتمي لطهر ونبل الثورة التي لها تجلياتها البديعة، في منح هذا الوجود معنى، واستحقاق اليمن لحياة حرة كريمة، فيها المواطن حقوقه مصانة والكل شركاء في البناء والتنمية .
وإني من هذا المبهج أرى في الأفق: ميلاد زمن جديد، وطناً خالياً من وصاية وديكتاتورية واستبداد.. أراه يشرق من جبين كل حر شريف انتمى لهذه الثورة، واشتغل من أجلها انتصاراً على الظلم وزبانيته، وما زال يفتتح أزمنة في زمن، ويصيغ أحرفاً تشبه في سطوعها الأنجم الزاهيات.
أرى الشعب: يزلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة، ويثب نحو العلياء ويرسم احتفائه على الغيم فيهطل المطر.. أرى وطناً: يصيغ تاريخاً جديداً فيه الإنسان ابن هذه الأرض ومالكها، لذلك تأتي رحلته خطى وثوقية لنصر مؤزر .
أرى شعباً: طالعاً من فضاء القصيدة، ومن جغرافيا التكوين الحضاري، وهو ارتقاء لسلم مجد، والمضي في درب عشاق الحياة، الذين يستردون العافية بما يحرزونه من مكاسب في كل خطوة للأمام .
أرى: الأتقياء الأنقياء في أروع تكوين وتلاحم أخوي، ولديهم ثقة أن الإنسان كرامة وعزة، يكتبون مجدهم من حلم وأمنية، ينحتون دروباً يسيرون فيها كما يرغبون، ويمضون فينا عبيراً بأسمائهم واحداً، واحداً .
أرى.. يا إلهي: (على هذه الأرض ما يستحق الحياة )، وطناً يكتب أن الإنسان ابن هذه الأرض ومالكها، لذلك خطاه فتح مبين.
أرى الثورة اليمنية :مدرسة في كيفية انتصار الشعوب لمظلوميتها، وأنها استثناء حقيقي ونادر في الربيع العربي،بل إن إيقاعها المتعدد المتنوع يشي بالأجمل على الدوام، وميلادها المتحول العميق التداخل بين كل مكوناتها، هو كما تداخل الفصول بالفصول.
وإذاً هي كل الفصول زهواً وتضاريس جمال مضى إليه اليمانيون زرافات ليجعلوه واقعاً.. فهنيئاً لمن انتموا للثورة، لرجالها الأوفياء وجنودها البواسل الذين حددوا بالضبط، أين يقفون؟ ولمن ينتصرون؟ وبروا بقسم قطعوه، أن يخلصوا للوطن وثورته ووحدته.. هنيئاً لنا جميعاً هذه الثورة وهي تجسد قيماً حضارية نفخر بها على هذا الكوكب الأرضي.
mallawzy@hotmail.com
محمد اللوزي
الشعب عرف طريقه 1923