إن الاعتداء الإجرامي الذي تعرضت له مسيرة ( الحياة ) الراجلة في منطقة دار سلم، من قبل أناس محسوبين على هذا الشعب ( جنود ) ويتقاضون رواتبهم من الضرائب والواجبات التي يدفعها أبناء المجتمع اليمني الذي تحول من يفترض بهم أن يكونوا ( حماته ) إلى قتلته وجلاديه ومصاصين دماءه الطاهرة .
إن تلك المجزرة التي لا يمكن وصفها إلا بالعنصرية المناطقية القذرة، والتي تنم عن حقد دفين، وبغض لا حدود له يكنه أولئك المجرمون ومن دفعهم ووجههم لأبناء تعز الحالمة الصامدة إذ لم يدر حتى بخلد الصهاينة ولا حتى الحيوانات المفترسة، بل ولا حتى الخنازير المتوحشة بأن يقدم أناس يعتقد أنهم ينتمون إلى بني البشر على ارتكاب مجزرة بحق أناس مسالمين قطعوا أكثر من ( 260 ) كيلومتراً مشياً على الأقدام، وصلوا إلى دار سلم الذي لم يكن فيه للسلم أثر ، وقد تفطرت أقدامهم وأعياهم الإرهاق والتعب قضوا قبل ذلك ليلة عصيبة، في منطقة (( خِدار )) على مشارف العاصمة، حيث افترشوا الأرض والتحفوا السماء، نزل بهم برد شديد، جراء الطقس البارد هناك، ورغم أنهم رددوا (( البرد ولا المذلة )) في ليلتهم تلك التي باتوا فيها فرائس سهلة للطقس البارد، ولبلاطجة من زعموا أنهم رجال أمن ومن هم على شاكلتهم من البلاطجة بالزي المدني .
ورغم كل ذلك لم يسلم المشاركون في مسيرة الحياة من رصاص الغدر والخسة والنذالة رصاص العار والخوف والجبن، فقد ترصدهم عبيد الماديات، ومارسوا بحقهم كل صنوف الجريمة من قتل وغدر واختطاف، ولم يرحموا عناءهم ونصبهم الذي تكبدوه لخمسة أيام كاملة، فأي قلوب يحمل أولئك المجرمون وبأي عقول يفكرون، وما نوعية الغذاء الذي يوغلونه ويتناولونه؟ إذ سمح لهم ذلك بالنهش في جسد 14 شهيداً دون رادع من دين أو ضمير أو أخلاق.
إن تلك الجريمة البشعة التي أرتكبها القادمون من مراحيض صالح، لن تمر مرور الكرام، ولن ينساها التاريخ، بل سينتصر الظلم على الظلام وستشرق شمس العدالة ، وسيتم الاقتصاص من أولئك الموغلين في الإجرام والسفالة .
لن أتحدث هنا عن محاولات تجزئة المسيرة وتقطيع أوصالها، وتشتيتها، والممارسات المختلفة بحقها، والاستفزازات التعسفية بحق المشاركين فيها، والمرافقين لها، فهذا أمرُ أتركه لعدسات الكاميرات وشهادات المعنيين، بل سأحاول التوقف عند تصريحات الشيخ / جيرالد فرستاين صالح الأحمر ، والشاويش علي سعيد عبيد، حيث قال الأول إن المسيرة لم تكن سلمية وهدفها الفوضى، والتسبب في العنف ، واستفزازية بينما برر الأخر وهو ناطق باسم اللجنة العسكرية لتحقيق الأمن والاستقرار ويفترض فيه أن يكون محايداً وألا يعمل لصالح أي طرف، لكنه يصر على تقديم طقوس الولاء والطاعة لنجل صالح .
حتى وهو يؤدي مهمة توصف بالوطنية الجسيمة من خلال إطلاقه التصريحات المنحازة والاستفزازية، ومحاولة منه تبرير الجرائم التي ترتكبها بقايا العائلة، متناسياً أبجديات التعاليم الدينية والعسكرية أن القتل لا يسقط إلا بالقود ومن قتلوا المتظاهرين والمعتصمين قتلة ومجرمون ويجب أن تطالهم يد القانون والعدالة وهذا ما سيحدث طال الزمن أم قصر .
خصوصاً وأن مسيرة الحياة لم تكن حزبية، وبالتالي لا تعنيها التسوية السياسية، كما لا تعني أيضاً أقارب وأولياء دم الشهداء والجرحى الذين اغتالتهم رصاصات حماة العائلة وخدامها الأشاوش، بل إن مطلب كل الأسر التي قدمت شهداء أو جرحى هو المحاكمة والقصاص العادل وهذا ما كان يجب أن يعيه ( عبيد ) وغيره ممن لا يزالون يراهنون على مكرمات العائلة لأن الكلمة هي للشعب وليس للفرد المتسلط أو لمحترفي الإجرام والقتل والسلب .
أما تصريحات الشيخ/ جيرالد فيرستاين صالح فيمكننا قراءتها من محورين الأول أن الرجل يريد ألا يغادر صالح إلى بلاده التي سيحل عليها ضيفاً دون أن يبعث له بتطمينات حتى ولو كانت على حساب دماء الأبرياء والشهداء، أهم شيء رضا صالح فـ (فيرستاين) يعد عراب التسويات السياسية التي دائماً ما تأتي على حساب الضحية، لصالح الجاني.
أما المحور الأخر الذي يمكن من خلاله قراءة تصريحات ( فيرستاين صالح ) فهو أن الرجل عندما دعا في بيان له تم توزيعه على سفراء الخليج والإتحاد الأوروبي في وقت سابق ودعا فيه الفريق عبد ربه مصنور هادي إلى إقالة قادة الأجهزة الأمنية في تعز ومحاسبتهم أمثال (قيران، والعوبلي، وضبعان .. وغيرهم ) وعندما لم تجد دعوته إستجابة أراد أن يعكسها لأن المعلومات التي لديه تقول إن العسكر في اليمن لا يفهمون إلا بالمقلوب فأراد (الشيخ فرستاين) تطبيق ذلك، لكنه بدلاً من أن يكرر تلك الدعوة، لأنه كان بإمكانها أن تثني المنضمين لمسيرة الحياة عن فكرتهم كون رموز القتل والدمار في تعز لا يزالون يمارسون مهامهم في توجيه وتحريض القتلة على تنفيذ المزيد من جرائم القتل والتدمير، لكنه وبدلاً من كل ذلك راح يجامل صالح و ويمارس إستفزازاً بحق ملايين الصامدين في الساحات، وراح يتهم المسيرة بأنها لم تكن سلمية وبأن هدفها الفوضى، متناسياً أن المشاركين فيها مروا بثلاث محافظات إبتداءً من تعز والطرق ممتلئة بنقاط التفتيش وثكنات الحرس، ولم يثبت أنهم حملوا حتى عصا.
لكن نحن قد نلتمس العذر للشيخ / فيرستاين صالح وهو يطلق تلك التصريحات المستفزة من داخل برجه العاجي في شرق صنعاء، أو يبدو أنه كان مخموراً وقد بلغ به السكر حد الثمالة، فلم يعد يفرق بين أناس شعارهم السلمية وسلوكهم السلمية طوال أحدى عشر شهراً،وبين أولئك البلاطجة والقتلة المأجورين الذين يرابطون في أكثر من مكان في أمانة العاصمة وفي غيرها من المحافظات يترصدون المتظاهرين والمسيرات السلمية بكل أنواع القتل وأدواته .
وبالتالي ليست هذه المرة الأولى التي يفقد فيها الشيخ / فيرستاين صالح ذاكرته ويضّيع الحسبة وتخونه الذاكرة، فيرى الأحمر أصفر والأصفر أحمر، بل سبق له ذلك أكثر من مرة وذلك لأنه يتلقى تقاريره من المخبرين في دار الرئاسة والحرس الجمهوري والأمن المركزي، وليس من الواقع على الأرض، فقد كان يسمع المدفعية وهي تقصف الحصبة وصوفان ويسمع لعلعة الرصاص وإشتداد القصف وتضرر الآلاف المنازل، فيعتقد أنّ ألعاباً نارية تطلق بمناسبة تنصيب أوباما، ومع أنه كان يستيقظ - هذا إن جاءه نوم ـ على دمار هائل ونزوح جماعي للسكان، لكنه كان يصر على أن ما يجري في الحصبة وصوفان أصوات لأناس يفرقعون أصابعهم بشدة ، أو هكذا قيل له، وبما أن السياسة فن الممكن والدبلوماسية تكتيك لتسريع الصراع فكهذا يلعبها الشيخ / فيرستان في اليمن بلد الحرب بالوكالة.
كنا نتمنى على فيرستاين كديبلوماسي يمثل دولة توصف بالعظمى أن يدين الاستخدام المفرط بحق المتظاهرين السلميين، الذين قطعوا مئات الكيلومترات، ليصلوا رسالتهم إلى العالم أن لا حصانة للقتلة، كما كان يفترض بالشيخ فيرستاين وهو يزعم انه يمثل دولة تزعم أنها راعية الديمقراطية التي تنشدها لبقية سكان الأرض أن ينفذ سياسات بلده، وألا يعتمد في تصريحاته على ما التقطته عدسات عناصر الأمن المركزي الذين خططوا للجريمة مسبقاً واستعدوا لذلك بالكاميرات وأتوا ببلاطجة مسلحين وصوّروهم على انهم من المشاركين في المسيرة وبهذا وقع السفير في فخ القتلة دون أن يعلم بعد إن بعثت له قيادة الأمن المركزي بتلك المسرحية المفبركة، ليخرج علينا بذلك التصريح الغير حصيف بحق شباب عرفت مدينتهم بحاضنة الثقافة والحب والسلام، وليسوا كما قال السفير الذي وقع في مخطط أعد له جيداً.
فهل يراجع الشيخ فيرستاين تصريحاته تلك، ويعيد النظر فيما قاله بحق الشباب المسالمين، وبالتالي يتأكد من مصدر شريط الفيديو الذي تم إرساله إليه، ومن ثم يعتذر عن تصريحاته تلك هذا مانتوقعه من دبلوماسي يفترض به انه يحترم نفسه ويحترم البلد الذي يمثله.
لكن ومع هذا ستظل (( مسيرة الحياة ))، رغم الآلام والجراحات، مسيرة خالدة عبر التاريخ، وهي بمثابة إشراقة على جدار اليأس الذي كاد يتملك البعض عقب تلك الجريمة الشنعاء التي أرتكبها من خلاق لهم بحق المسيرة، لكن هذه المسيرة أعادت الأمل إلى النفوس بأن تعز ستظل قلب الثورة النابض، وليمت الحاقدون بغيضهم .
///////
صفوان الفائشي
الاعتداء على (الحياة).. وتصريحات الشيخ فيرستاين 2027