كم كنا بحاجة ماسة إلى هذه الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي تشهدها بلادنا اليوم، وكم كنا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا أكثر من مرة لاتخاذ القرارات وتحديد المواقف، رغم ما لاقته هذه الثورة خلال الأشهر الماضية من تحليلات خاطئة ومواجهات دامية وتحدٍ فاضح لإرادة وتطلعات الشعب اليمني.
ولقد أثبتت هذه الثورة خلال الأشهر الماضية أن إرادة الإنسان اليمني الذي صنع التاريخ القديم لا تهزمها الآلة العسكرية ولا تقهرها الصعوبات، وأن الإنسان اليمني الذي يمتلك في كل منزل أكثر من قطعة سلاح صار أكثر وعياً ومدنية من الآخرين، ولولا تلك الإرادة الصلبة القوية وذلك الوعي الناضج لما بدأت الثورة تجني أولى ثمارها، والفضل بعد الله سبحانه وتعالى يعود إلى أولئك الشباب المرابطين في ساحات الحرية والتغيير في جميع محافظات الجمهورية، وكل من أعلن انضمامه إلى هذه الثورة المباركة من عامة المواطنين والمشائخ والأحزاب السياسية والجيش اليمني الحر المؤيد للثورة وغيرهم من ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر في استمرارية الثورة والبدء في جني الثمار.
وستظل الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات والمطالبات مستمرة حتى تحقيق كامل أهداف هذه الثورة المباركة، ولعلنا نلمس ما يدور اليوم في الكثير من المرافق الحكومية من اعتصامات ومظاهرات للمطالبة بتغيير الفاسدين والناهبين لحقوق الموظفين والمال العام في تلك المؤسسات الحكومية، ولا يزال الكثير بانتظار دورهم لتصحيح البلاد وتغيير كل فاسد داخل هذا الوطن.
ليس هذا فحسب، بل ومحاكمتهم على تلك الأموال والعقارات التي امتلكوها من أموال الشعب والموظفين والمواطنين، لذا فإن الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي تشهدها بلادنا اليوم، هي ثورة قيم وأخلاق وحقوق وواجبات وتطلع إلى المستقبل بمسؤولية.
والمهمة بلا شك صعبة، فإصلاح ما أفسده النظام السابق خلال الثلاثة والثلاثين عاماً الماضية لا يمكن أن يتحقق بيوم وليلة وحتى تتحقق كل تلك الآمال والتطلعات والأهداف الثورية يجب أن تظل الرقابة الشعبية والشبابية حاضرة بقوة، تراقب سير أداء الحكومة ومختلف المرافق الحكومية، وهو ما يجب أن تدركه حكومة الوفاق ومختلف الأحزاب والتنظيمات السياسية في البلاد.
ليحكمنا في الأخير النظام والقانون، فالجميع علينا واجبات ولدينا حقوق وليظل الوطن في حدقات العيون وتترجم ذلك الحب والولاء له أعمالنا وسلوكنا على أرض الواقع.
ومن هنا نوجه تحية إجلال وتقدير لتلك الأرواح الطاهرة التي أزهقت في مختلف ميادين الحرية و التغيير وفي المسيرات، لأن تلك الدماء الزكية قد أخرجتنا بالفعل من عهد الحكم الفردي الأسري والنظام الفاسد ودولة الوساطات والرشوات والمحسوبية إلى عهد الشعب يحكم نفسه بنفسه، ودولة النظام والقانون والمؤسسات والعدالة والمساواة الاجتماعية وحرية الرأي والديمقراطية الحقة.
ويجب أن نكن عوناً لإخواننا في مختلف المؤسسات والمرافق الحكومية المضربين عن العمل والمعتصمين، المطالبين بمحاكمة رموز الفساد في تلك المؤسسات الذي أكلوا حقوقهم عشرات السنين ومع كافة المطالب الحقوقية العادلة في جميع محافظات الجمهورية.
عبدالوارث ألنجري
من ثمار الثورة الشبابية 1858