تعرف حرب العملات على أنها اعتماد دولة ما على قوتها الاقتصادية لتقليص قوة تنافسية الدول الأخرى وتقليص حجم ثرواتها عن طريق استخدام السياسة النقدية والتدخل في أسواق تبادل العملات "سوق الصرف الأجنبي المعروف باسم الفوركس"، ليعد ذلك شكلاً من أشكال الحروب الاقتصادية الباردة من أجل تحقيق هدف محدد.
ويعني بهذا التعريف بشكل أبسط هو قيام بعض الدول حول العالم بانتهاج سياسات من شأنها أن تقلص من قيمة عملتها المحلية وذلك من أجل دعم اقتصادها وكذا دعم القطاعات الرئيسية الأخرى، لاسيما القطاعات التصديرية، لكن هذا الإجراء يؤدي إلى تحقيق أرباح للدولة التي تقوم بخفض عملتها والإضرار بمصالح الدول الأخرى، إذا ما استخدم على نطاق واسع حول العالم.
ومن الناحية التاريخية كانت بعض الدول تقوم بهذا الإجراء بهدف دعم الصادرات "عن طريق جعل السلع والخدمات المصدرة أكثر تنافسية بسبب رخص ثمنها مقابل مثيلتها في الدول الأخرى"، وكذلك بهدف القيام بتسويات ميزان المدفوعات.
يرى خبراء اقتصاديون أن على بلدان المنطقة أن تبادر لوضع سيناريوهات وخيارات بديلة للارتباط بالدولار في حال استمرت عملة الدولار في الاهتزاز وتراجع دورها كعملة احتياط رئيسية في العالم، بالإضافة إلى أهمية وجود إستراتيجية خروج من أزمات محتملة في أسعار الصرف في ضوء حرب العملات التي بدأت تلوح في الأفق حالياً.
الاقتصاد العالمي يشهد منذ سنوات، الكثير من المتغيرات والتي أثرت بصورة مباشرة على اقتصادات دول العالم المتقدمة منها أو النامية، حيث أن هذه المتغيرات سوف تحدد معالم المستقبل.. ثمة تغيرات رئيسية قد شهدها الدولار منذ مطلع عقد التسعينيات وحتى الوقت الحاضر، إلى جانب ما فرضته الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة من تحديات على اقتصاديات دول المنطقة، الأمر الذي يستدعي مراجعة سياسات الصرف الحالية، المتبعة حالياً لدى دول المنطقة.
أهم المستجدات الحاصلة في عالم اليوم تتمثل في حرب العملات على المشهد الدولي وذلك على خلفية الخلاف الحاد الذي تصاعد في الآونة الأخيرة في اقتصادات العالم، ودخول دول العالم في سباق حرب عملات سوف يترك آثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي من حيث زعزعة النظام المالي والتجاري، واحتمال عودة الحمائية التجارية.
استمرار الدولار في التراجع يتوجب التفكير جيداً في خيارات أخرى بديلة وإستراتيجية في حال استمرار أزمة الدولار، من هنا فإن الاحتراس من آثار حرب عملات ممكنة في العالم، خاصة وأن تداعياتها قد تكون ضارة على دول أخرى بما فيها دول المنطقة.
تقوض مخاوف استمرار الاختلالات الحالية في أسعار الصرف العالمية وتصاعد وتيرة السباق الدولي للجم العملات الوطنية من الصعود مقابل العملات الأخرى آمال عودة الانتعاش للاقتصاد العالمي على المدى القصير ويعزز احتمالات العودة للحمائية التجارية.
وقد عكست المؤشرات الاقتصادية المتناقضة لأفاق الاقتصاد العالمي والصادرة عن المؤسسات المالية الدولية حالة التخبط التي تسود أوساط الخبراء الاقتصاديين في هذه المؤسسات، وعدم قدرتهم على استقراء ملامح خارطة العالم لما بعد الأزمة المالية، لاسيما بعد أن بات يقف على أعتاب حرب عملات كبرى جديدة، ستكون السياسات النقدية أبرز أسلحتها وأسعار الصرف أبرز عناصرها.
المشهد الاقتصادي العالمي الحالي لا يبشر كثيراً بالخير فيما يتعلق بأفاق الخروج من نفق الركود الاقتصادي رغم التحسن الحاصل عام 2010، مقارنة بالعام 2009، خاصة بعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن ضبابية مستقبلها الاقتصادي وعدم التيقن من مؤشرات التعافي.
يذكر أن مؤتمرات قمة النادي الذي يمثل حوالي 65% من الاقتصاد العالمي، والذي تعلق الآمال في حشد التضامن العالمي لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية"، شهدت انقساماً معلناً بين المراكز الرئيسية المتمثلة بالولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي واليابان بشأن سياسات المواجهة، الولايات المتحدة لا تزال تمارس سياسة توسعية تهدف إلى تعزيز جانب الطلب الفعال وبالتالي تحريك العجلة الاقتصادية مما يرفع معدلات التوظيف ويخفض معدلات البطالة التي تقترب من حاجز 10%، وآخر مستجدات هذه السياسة تجسدت بالتسهيلات الكمية من خلال ضخ قرابة "600" مليار دولار في السوق الأميركية والتي سرعان ما ألقت بضلالها على أسواق الصرف العالمية، في حين تمارس دول الاتحاد الأوروبي سياسة انكماشية هي الأولى من نوعها منذ عقود تنطوي على موازنات مقيدة من خلال تقليل الإنفاق العام ورفع الضرائب، أملاً في تحسن أوضاعها المالية.
ومن الطبيعي أن يتبع ذلك تقلبات في أسعار صرف العملات القيادية، وخاصة اليورو والدولار مقابل العملات المنافسة كالين والجنيه الإسترليني.
وثمة مستجدات برزت على مسرح العلاقات الاقتصادية الدولية راهناً، أهمها التهديد والوعيد بشن حرب عملات من قبل الشركاء التجاريين الرئيسيين في الاقتصاد الدولي، لاسيما بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، إضافة إلى اليابان من جهة والصين من جهة أخرى، على خلفية الضغوط التي تمارسها الجهة الأولى على الصين لإعادة تقييم سعر صرف عملتها المحلية "اليوان" نحو الارتفاع من أجل تقليل قدراتها التنافسية في الأسواق الأميركية والعالمية، يضاف إلى ذلك المحاذير التي تطلقها المنظمات الدولية من احتمال عودة الحمائية التجارية إلى سابق عهدها إذا ما استمرت حالة الشد والجذب بين الشركاء.
التخفيض التنافسي للعملات برغبة الحكومة في تعزيز جاذبية صادراتها للدول التي تشتري منها ما يؤدي إلى زيادة الطلب عليها وتشجيع الإنتاج المحلي وتحسين الميزان التجاري.
مثل هذه الإجراءات التنافسية يمكن أن تتسبب في انكماش التجارة العالمية والركود، وهناك مخاوف من عودة تهديدات الحمائية التجارية، سواء على الشكل القديم للرسوم الجمركية الإضافية.
ويمكن أن يزيد الضخ الكمي الأميركي من المضاربات المحلية سعياً لتحقيق الربح، وهو يمكن أن يزعزع استقرار البلدان المتلقية لرؤوس الأموال، بل والاقتصاد العالمي برمته.
لقد طرحت الأزمة المالية العالمية التي دخلت عامها الرابع مرة أخرى مسألة مستقبل عملات الاحتياطي باعتباره العملة الدولية الأكثر أهمية في العالم، وما تواجهه حالياً من تهديدات قد تقود في نهايتها إلى حرب اقتصادية جديدة سلاحها الفتاك أوراق النقد، وفقاً لسيناريوهات وأطروحات خبراء ماليين واقتصاديين.
وأكبر تهديد يواجه استقرار النظام النقدي العالمي على المدى البعيد يتمثل في تحول الحديث الحالي عن حرب عملات إلى صراع حقيقي بين القوى الاقتصادية العظمى البازغة من رحم الأزمة بقيادة الصين والأخرى المهيمنة على عملات الاحتياط في العالم والتي تنفرد الولايات المتحدة بعرشها، الأمر الذي دعا اقتصاديين بوصف هذه الحرب المنظورة بأنها المسمار الأخير في نعش النظام النقدي العالمي.
إرهاصات تلك الحرب التي يتوقعها البعض ويستبعدها آخرون، أخذت تظهر مع تفاقم حالات العجز الضخمة في المعاملات الجارية للولايات المتحدة خلال العقود الأخيرة، والتي قوضت الثقة بالعملة الخضراء ودينها الخارجي المتنامي، الأمر الذي زاد من وتيرة التنبؤات بصورة متزايدة بنهاية سيطرة الدولار، وبالنسبة للكثيرين بدأ مصير الدولار محتوماً عقب انهيار سوق العقارات الأميركي في منتصف 2007م الذي أطلق العنان لأكبر انقلاب فجائي في الأسواق المالية في الولايات المتحدة منذ الكساد العظيم.
وكما ثبت فقد تبين أن الأزمة أبت إلا أن تكون فتاكة بالنسبة إلى الدولار، ولم تكف حتى متاعب القطاع المالي في الولايات المتحدة التي تطلبت تدخلات حكومية ضخمة، لقلب التفصيلات بصورة حاسمة، وبدلاً من ذلك وما يدعو للتعجب فإن الأزمة عززت بصورة مؤقتة المركز العالمي للدولار، حيث هرب المستثمرون إليه طلباً للأمان، ففي أواخر عام 2009م اشتدت حدة الطلب على أذون الخزانة الأميركية لدرجة أن العوائد انخفضت إلى الصفر أو أقل، ورغم ذلك ما زال مستقبل الدولار محل جدل حامٍ، وهناك اعتقاد واسع أن الدولار سوف يستأنف دون شك انهياره على المدى الأبعد، منهياً سيطرته إلى الأبد.
ما الذي سيحل محل الدولار؟! اليورو، الين الياباني أم عملة عالمية جديدة للاحتياطي، يمكن أن تقوم على حقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي، وهي أصل من أصول الاحتياطي.
حروب العملات تصاعدت نظراً لأن النظام النقدي الدولي الحالي لا يقدم حلولاً شاملة لقضايا الاقتصاد العالمي، بل حلولاً مؤقتة، فالدول لها الحرية في اختيار سياسات أسعار الصرف: الثابت، العائم أو الوسطى، وهذا الوضع يكون ملائماً على مستوى الدول فرادى، ولكن ليس من المتوقع أن يكون كذلك على المستوى الدولي.
ووسط احتدام الجدل حول مآلات حرب العملات، فقد بدأت المؤسسات المالية والنقدية في مختلف أنحاء العالم ترسم التصورات والسيناريوهات لتحديد ملامح الوريث الشرعي لعملة الاحتياط العالمي المقبلة على خريف جديد تتآكل معه نظارته وينقشع لونها الأخضر.
ماذا تعني حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي كبديل للدولار كعملة للاحتياطات العالمية، ومما يتكون؟! وللتوضيح فإن حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي تتكون حالياً من حصة 41.9% للدولار و37.4%لليورو، و11.3% للإسترليني، وحوالي 9.4% للين الياباني، الاعتماد على عملة واحدة لدولة كعملة للاحتياطات العالمية في ظل النظام متعدد المراكز السائد اليوم في العالم يعرض الاقتصاد العالمي لاختلالات في توازنه ويهدد بأن يصبح مصير خطر، خاصة إن كانت هذه الدولة تعاني من التذبذب في حصتها من الاقتصاد العالمي.
وهناك ميل تاريخي لدول العالم للتملص من أعباء الديون عبر خفض قيمتها عن طريق طباعة المزيد من النقود ورفع مستويات التضخم، لأن هذا أسهل لها من العمل على رفع الضرائب أو خفض الإنفاق على التنمية وعلى الجوانب الاجتماعية، الأمر الذي يمكن أن يستثير حفيظة شعوبها.
هوامش:
1. الاتحاد الاقتصادي 31/12/2010.
2. = = 4/1/2011.
3. = = 6/1/2011.
4. = = 8/1/2011.
5. الحياة العدد "174425" 5/1/2011.
6. = = "17446" 9/1/2011.
د.علي الفقيه
حرب عملات واستمرار الاقتصاديات الكبيرة في الأزمات 2868