البر لا يبلى والذنب لا ينسى والديان لا يموت اعمل ما شئت، كما تدين تدان ) ذلك هو حديث الرسول صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا) والأيام دول والسعيد الناجح الذكي هو الذي يضحك في النهاية لا في البداية والدهر لا يؤمن والسعيد من اتعظ بغيره والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت قال الشاعر:
هي الأمور كما شاهدتها دولٌ
من سرَّهُ زمنٌ ساءته أزمانُ
وشاءت إرادة المولى عزوجل ولا راد لمشيئته أن يمر الوطن العربي قبل عقود من الزمن وفي فترات زمنية متقاربة ابتداءً من النصف الأول من القرن الماضي أي القرن العشرين بانتفاضات وثورات شعبية ضد الاستعمار الأوروبي والغربي والروسي، حيث خضعت بعض الدول العربية للاستعمار الايطالي وبعضها للاستعمار الفرنسي والبريطاني وهناك دول عربية لم تُستَعمر من هذا أو ذاك من الأجانب ولكنها حُكِمَتْ جبراً بحكم (ملكي أو إمامي) أمثال الإمام يحي حميد الدين وولده احمد والإمام البدر الذين حكموا اليمن الشمالي آنذاك قُبَيل ثورة 26/سبتمبر/1962م وقد نشأت حركات ثورية شعبية تزعمها الأحرار والشباب في الدول العربية ضد الاستعمار ولان ثورات الشعوب بمثابة زلزال ضد الأنظمة الاستعمارية، فقد كانت النتيجة انتصار الشعوب، فرحل الانجليز من مصر وجنوب اليمن وخرج الايطاليون من ليبيا وأيضاً الفرنسيون من الجزائر وتونس وسوريا ولان المستعمر قد ربىّ له أذناباً وعملاء من أبناء هذه الدول يخضعون له ويأتمرون بأمره فسلم لهم مقاليد الحكم وتُرِكَ الثوار جانباً وصار لا فرق بينهم وبين المستعمر الأجنبي وربما أن المستعر الأجنبي كان ارحم بالشعوب العربية من بني جلدتهم أمثال (مبارك وبن علي والقذافي وصالح والأسد)، لان المستعمر أوجد بنية تحتية للدول المستَعْمَرَة مثل إصلاح الطرقات والجسور والأنفاق وشركات التحلية وغير ذلك والزعماء العرب السالف ذكرهم باعوا القضية الفلسطينية وتآمروا ضد غزة ودمروا الأقطار العربية أرضاً وإنساناً واعتقلوا رجال السياسية وشردوا بعض قادة الأحزاب واعتقلوا حملة الأقلام والعلماء وذلك أمثال الدكتور (يوسف القرضاوي) والشيخ(راشد الغنوشي ) رئيس حزب النهضة التونسي واعتُقِلَ الشيخ عباس مدني رئيس جبهة الأنقاض الإسلامية في الجزائر وحُكِمَ عليه بالسجن لمدة اثني عشر عاماً بعد أن فاز حزبه بالانتخابات البلدية وانقلب النظام الفاسد على العملية الديمقراطية وسقط على إثرها ما يزيد عن مائة ألف شهيد وأيضاً شُرِّدَ أعضاء الحركة الإسلامية في ليبيا كما قام النظام المصري باعتقال بعض قادة الإخوان المسلمين وإيداعهم السجون لانتمائهم لحركة الإخوان التي أسسها الإمام الشهيد حسن إلبنا في مصر والعالم وهي ذات التوجه الإسلامي المعتدل وقد كان للإمام الشهيد دور فعال في الإسهام بدعم الثورات العربية ضد الاستعمار بمختلف أشكاله ومنها الثورة اليمنية ولولا أن عملاء الاستعمار وأذنابه اعتلوا على كراسي الأنظمة وتربعوا على الحكم لما احتاجت الشعوب العربية إلى ثورات الربيع العربي 2011م..
من جديد وسبحان الله الذي يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير . فهذا الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي ظل يحكم قرابة 21عاما ومعه حزبه الدستوري وخلال حكمه عاث في الأرض فساداً فاعتقل السياسيين وقام بحل الأحزاب وحَظْرِها سواء ذات الطابع الإسلامي أو اللّيبرالي وظل يحكم تونس الخضراء بالحديد والنار ومعه زوجته ليلى الطرابلسية وأصهاره ويعبث بالمال العام ويسخره لخدمته وخدمة حزبه وانتهك حقوق الشعب التونسي وقضى على الديمقراطية فيه ولا صوت يعلو فوق صوته لشدة جوره وزيادة ظلمه وكثرة تنفُّذِه ففر الكثير من السياسيين إلى عواصم الدول الأوروبية والغربية، فالشيخ راشد الغنوشي فر لاجئاً إلى عاصمة المملكة البريطانية (لندن) بعد أن قام بن علي بحل حزب النهضة الإسلامي وصدور قرار تونسي باعتقاله واعتقال أعضاء حزبه وحُرِمَ الغنوشي من الإقامة في أرضه ووطنه تونس، كما حُرِمَ من العيش بين أسرته وأقاربه وأصدقائه وذويه ومن أي نشاط سياسي في الداخل بل ومن العودة إلى وطنه غير أن العاصمة البريطانية قد احتفت به وسمحت له بإدارة حزبه المعارض منها، كما سمحت له بإجراء المقابلات واللقاءات الصحفية والتصريحات عن طريق جميع وسائل الإعلام والتي كانت تزعج النظام التونسي وتُسْهره منامه وتُفْقده راحته وأعصابه وكان يسعى للانتقام منه ولو عن طريق الاغتيال بواسطة القتلة من الحزب الدستوري وهنا يتضح أن المواطن العربي أصبح يعيش غريباً في وطنه ومطارداً بموطن الغرباء قال الشاعر احمد مطر:
يحي غريب الدار في أوطانه
ومطاردٌ بمواطن الغرباء
ومع أن الدول الأوروبية والغربية قد قبلت قادة الأحزاب السياسيين للإقامة فيها وأعطتهم حريةًً لم يجدوها في بلدانهم، إلا أن الغريب يظل غريباً خائفاً خاضعاً ذليلا والشاعر يقول
إن الغريبَ له مخافةُ سارقٍ
وخضوعُ مديونٍ وذلةُ مُوثقي
فإذا تذكر أهله وبلاده
ففؤاده كجناح طير خافقي
وما أجمل الصبر، فدائماً يعقبه الفرج والجزاء من جنس العمل، فقد ثار الشعب التونسي ضد الرئيس بن علي وشارك في الثورة جميع التونسيين المقيمين في الداخل والخارج وأسهم الشيخ راشد الغنوشي في نجاح الثورة التونسية من العاصمة البريطانية وجاءت ساعة الصفر وتحول الرئيس إلى (هارب) يفر مع زوجته، طالبين النجاة بنفسيهما إلى مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية وأعلن الشيخ الغنوشي عن تحديد موعدٍ لعودته إلى بلده الذي غاب عنه 21عاماً واستقبله شعبه وحزبه بالزغاريد والأناشيد والاحتفالات في جميع أنحاء تونس وأصبح الغنوشي وحزبه حركة النهضة المحظورة سابقاً ـ يحكم تونس اليوم بعد أن نجح حزبه في الانتخابات بالأغلبية، فقام بتشكيل حكومة برئاسة (الباجي قائد السبسي) من حزب النهضة، فسبحان مقلب الأحوال من حال إلى حال، فالحاكم السابق بن علي هرب إلى جدة وقرََّر قضاءُ الثورة التونسية حل حزبه الدستوري ومصادرة جميع مقراته، أما الشيخ الغنوشي اللاجئ في لندن فقد عاد إلى تونس في استقبال مهيب وأصبح حزبه المحظور مسموح له بالحقوق السياسية والديمقراطية وقد فاز بالأغلبية المطلقة المريحة وصار الغنوشي وحزبه الآن يحكم تونس والى جانبه الأحزاب الأخرى الصغيرة كلا بقدر حصته في البرلمان بعد انتخابات حرة ونزيهة وهنا ينبغي أن تُدرك أخي القارئ أن الجزاء لم يكن من جنس العمل فحسب، بل وزيادة فإذا كان بن علي قد نفى الغنوشي إلى بريطانيا وكان حراً طليقا فيها يتحدث عبر الإعلام مع الداخل والخارج، فان الشعب التونسي اليوم طرد الرئيس بن علي ورحله هارباً إلى جده يعيش بين جدران الشقة التي يسكنها لا يستطيع الخروج منها ولا يُسْمَح له بأي تصريح صحفي وهذا ما صرح به الناطق الرسمي بالمملكة العربية السعودية ولله في خلقه شئون وصدق الله القائل (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقال الشاعر:
تَحَكَّمُوا فاستطالوا فـي تحكُّمِهِـم
وعَمَّا قليل كأنّ الأمَر لـم يكـنِ
لو أنصفُوا أنصفُوا لكِنْ بغُوا فبَغَى
عليهم الدهرُ بالأحزان والمحـنِ
فأصبحُوا ولسانُ الحال ينشدُهُـم
هذا بِذَاك ولا عتبٌ على الزّمـن
أحمد محمد نعمان
حَاكِمٌ هَرَبَ وهَارِبٌ يَحْكُم 2269