الرئيس الروسي/ بوتين، أجد في شبقه ونهمه على السلطة شبه كبير بالرؤساء العرب، صحيح أنه أتى بصديقه المحامي/ ميدفيديف إلى كرسي الرئاسة ولم يأت بأبنائه وأشقائه وعشيرته مثلما هو سائد لدينا، إلا أن ذلك لا يمنع من القول بثمة تشابه ما بين بوتين المهووس بعضال السلطة وبين الحاكم العربي المريض بداء السلطان.
ومع يقيني بوجود مثل هذه الصفة الذميمة الناسفة لكل نزاهة وشفافية يراد بها استعادة سلطة الشعب من أتون الهيمنة والاحتكار الشخصي، فبرغم أوجه الشبه بين الديمقراطية الروسية والعربية وبين طريقة احتيال بوتين وبين زيف الحاكم العربي، إلا أنه وحين تتعلق المسألة بمواجهة الناخب كتبرير أخلاقي وقيمي وانتخابي وسياسي، فإن كفة الرئيس بوتين بلا شك راجحة للبقاء والاستمرار في السلطة.
الجمعة الفائتة ظهر بوتين كمرشح حقيقي جدير بنيل ثقة الملايين، كنت أعتقد أنه سيواري سوءة ما جرى من تزوير وعبث في انتخابات مجلس الشعب (الدوما)؛ بالحديث عن المؤامرة الخارجية وبالتهديد والوعيد لكل صوت رافض لمسرحية الأغلبية الساحقة القائلة: بنعم للحزب الحاكم – حزب روسيا الموحدة- بل وتوقعت أن اسمع منه كلاماً مملاً ومكرراً كذاك الذي تنطق به الدبلوماسية الروسية الغارقة في البيروقراطية السوفيتية.
الحقيقة أنني اندهشت من إجابات رجل المخابرات السابق، فلم يقل للحاضرين لقائه المفتوح بأنه الموحد لروسيا بعد أن قطع عقدها وبدأت أقاليمها تتناثر كحبات المسبحة وإلى أكثر من دولة وكيان، لم يقل بأنه المنقذ للاقتصاد الروسي الذي بفضل سياسته استعاد عافيته وصحته حتى صار اليوم قوياً ولديه من المناعة ما تنوء به من عدوى الأزمات الحاصلة في أميركا وأوروبا.
الواقع أنني سمعت منه أرقاماً ونسباً محققة أو متوقعة، تحدث بلغة الحساب لا بلهجة الشعارات، قال: كان الاقتصاد في زمن سلفه بوريس يلتسن على حافة الانهيار والآن روسيا في هرم اقتصاديات العالم، كان متوسط الدخل يراوح بين 2000-3000 روبيل واليوم وصل إلى 23000روبيل، التضخم ، الفقر، البطالة، معدل النمو السنوي، الاحتياطي النقدي البالغ مليارات الدولارات، الناتج القومي، الديون، مرتبات المتقاعدين وغيرها من القضايا والهموم التي تحدث عنها بالأرقام والنسب وكأنما هو رئيس شركة ناجح ملم بكل دولار ربح أو خسارة.
بالطبع لم يغفل حقيقة المليارات العائدة من طفرة الارتفاع لسعر النفط في السوق العالمية، كما أنه وبعد تعريجاته على كثير من القضايا الملحة كالإرهاب الذي تم محاصرته ووأده وكذا محاربة الفساد والفقر والبطالة والجريمة، بل ووصل الأمر إلى قيمة الرغيف وغاز الطبخ لم يقل أنا أو الطوفان، أنا أو الخُسران العظيم، أنا أو لتذهبوا إلى الجحيم، لقد قدم نفسه كديكتاتور محترم يعي مسؤوليته وواجبه لا كزعيم عصابة.
صحيفة "لوموند" الفرنسية سألت الرئيس صالح عن إنجازاته فأجاب: توحيد اليمن، استخراج النفط في مأرب وحضرموت، سد مأرب، ترسيخ الوحدة وهزيمة الانفصال صيف 94م، التعددية والحريات وحتى توقيعه لمبادرة الخليج عدها أيضاً إنجازاً مشرفاً، لم ينطق برقم أو نسبة أو مؤشر أو إنجاز اقتصادي أو تنموي أو معيشي أو خدمي أو من القضايا المؤرقة التي أنهكت اليمنيين ووصلت بهم إلى قائمة أكثر عشر دول فاشلة نتيجة لسوء إدارة البلاد.
المرة الوحيدة والنادرة التي تحدث بها الرئيس بلغة المنجزات الموعودة كان إبان الدعاية الانتخابية سنة 2006م وقتها وعد بالقضاء على البطالة والفقر وخلال عامين فقط، وبتوليد الطاقة نووياً، وربط محافظات بسكة حديد وموانئ جوية وبحرية وطرق معبدة وووإلخ.
شخصياً أحترم كل من يحترم عقولنا ولو كان ديكتاتوراً، بالمقابل أزدري كل مكسب لا يقترن بلغة الخوارزمي واينشتاين، فما أهمية وما قيمة الحديث عن الوحدة السياسية في ظل وحدة مجتمعية مجزاة وممزقة؟ وما قيمة التعددية السياسية إذا كان لا يريد مطلقاً مغادرة الرئاسة وبعد 33 سنة شمسية؟، الرئيس ربما غفل أن مثل هذه المنجزات لا قيمة لها أو جدوى إذا لم يستفد منها الإنسان الذي هو محور كل الأشياء السياسة التنمية التطور التوحد وهكذا..
كنت أفضل أن يحدثنا عن الفقر الذي هو في تصاعد مستمر حتى طال اليوم 75% من السكان وفق تقريرين صادرين عن منظمتين إنسانيتين هما (أوكسفام) و(الإغاثة الإسلامية )، عن أزمة طاقة الكهرباء التي مازالت تراوح عند 1000 ميجاوات وهي ذات الطاقة المنتجة قبل 20 سنة.
عن أزمة المشتقات النفطية وعن كمية النفط والغاز وعن سعرهما داخلياً وعالمياً، عن اسطوانة الغاز المنتجة محلياً وتباع في السوق المحلي ب1500-2000 ريال فيما تشترى في كوريا بـ3 دولارات، عن المرتب الشهري الذي كان عام 90م يضاهي 20 كيس قمح أو 40 أسطوانة غاز أو 100 حبة دجاج أو... أو فيما صار هذا المعاش الشهري لا يساوي ربع أو ثلث ما كان عليه قبل أكثر من عقدين.
محمد علي محسن
ديكتاتور عربي بلسان روسي 2443