في حروب صعده المستعرة أوارها بين كتائب الدولة وجماعات السيد حسين بدر الدين الحوثي كنا في جبهة الضحية ولم نندم على فعل ذلك، ففي كل الاعتبارات الأخلاقية والمهنية والإنسانية كان ولابد من طريقة ما لوقف تلكم الانتهاكات والجرائم المقترفة بحق اليمنيين عامة، فهناك أناس وأطفال ونساء وشيوخ يقتلون، وهناك أسر وقرى بكاملها تشرد وتدمر، لم نسأل وقتها ولم نكترث ما إذا كان القاتل أو المقتول سنياً أو شيعياً، رافضياً أم ناصبياً.
المهم هو أن هناك حرباً – والحرب كما قيل لا تستعر في جوف البنادق ولكن في قلوب وعقول البشر- على هذا الأساس كان التعاطف قوياً ومنحازاً للحوثيين بدرجة أولى، لا صلة هنا مطلقاً للطائفة والمذهب والقبيلة والمنطقة؛ فهذا الانحياز نابع في كون الضحية هنا مواطن يمني، فيما الخصم نظام سياسي فاسد لا يضيره استخدام سلاح الدولة وجندها وإمكانياتها وفي معركة خاسرة بكل المقاييس العسكرية والسياسية والطائفية والقبلية والدينية.
اليوم للأسف نجد ذاتنا في مواجهة الحوثيين، ليس كأقلية ذائدة عن ذاتها المنتهكة في عقر دارها، بل عن أكثرية محاربة ضائقة بجماعة سلفية ولحد القتل والحصار الجائر للأطفال والنساء وكبار السن والطلاب الوافدين من بقاع وأصقاع مختلفة، لا أدري كيف لجماعة نالها ما نال من القتل والدمار والحصار والتضليل والتعتيم الإعلامي أن يكون فعلها وأداتها اليوم أسوأ بكثير مما وقع لها في الأمس القريب؟.
إنها والله مأساة عظيمة؛ فأن تكون ضحية وجلاد في آن واحد، فتلك مصيبة، بل قولوا طامة كبرى، فهل يتخيل هؤلاء أننا سنصفق لهم وهم يصبون جام بنادقهم ومدافعهم على رؤوس ومساكن الدارسين والقاطنين في قرية دماج؟ النظام الهمجي الوحشي أعتقد أنه لم يجرؤ على منع الدواء والغذاء، الفاشية والنازية والعنصرية وتنظيم القاعدة وجيش الرب في أوغندا والخمير الحُمر في كمبوديا والصهيونية غيرها من الجماعات المتطرفة في العصر الحديث لم نسمع قط أنها رفضت إسعاف الجرحى أو إغاثة المنكوبين أو أنها صادرت ونهبت المساعدات الإنسانية.
قبل أيام كنت أشاهد (صناعة الموت) من قناة العربية، ما سمعته حينها من ذلكم القائد المحاصر لقرية دماج بلا شك كان مثيراً للشفقة والرثاء معاً، فبدلاً من أن أسمع منه سبباً وجيهاً ومقنعاً يبرر حصاره المفروض على دماج وأهله كانت إجابته شوفينية لدرجة القرف، لا أستطيع كتابة ما قاله للعربية، فمثل ذاك الكلام لا ينطق به إلا جاهلاً أو معتوهاً، تصوروا لو أن الناس في صنعاء وتعز وعدن وحضرموت وإب ووووإلخ فيها من هذا الصنف المريض، المؤكد أن اليمن سيكون أشبه بمقبرة لا متسع فيها لسوى أجداث الموتى الهالكين.
نعم، لست من النوع الذي يتعصب لسوى مواطنته، لا مشكلة لدي مع شيعة أو سنة، مازلت أعتقد بأن كلاهما من ملة واحدة، لا خلاف يتعلق بالأصول وإنما بالفروع، فالدين في كافة المذاهب والفرق عماده أربعة قواعد أصيلة هي أن الله واحد ومحمد رسول والقرآن كتاب وبالبعث حياة ثانية، عدا ذلك يبقى ثانوياً ويمكن الاتفاق أو الاختلاف حوله.
الحديث اليوم عن ناصبة دماج المدعومة من السعودية لن يحل الخلاف، بل يفتح الباب للكلام عن رافضة آتية من إيران، في الحالتين المعركة لا يتم حسمها بالتطهير أو التكفير أو سواها من وسائل العنف والكراهية، فالمعركة هنا لها صلة بالوعي والفكر والإقناع وقبل ذا وذاك القبول بالآخر والتعايش معه.
ختاماً يجب التأكيد على أنه ما دين يجيز قتل النفس التي هي عند الله أعظم من بيته العتيق الذي يأمه كافة المسلمين، نعم قد لا نتفق أحياناً مع الجماعة السلفية المختزلة للدين بشعائر وفروض وآراء جامدة نابعة من قراءتها المتزمتة وعلى وجه التحديد بكونها الفرقة الناجية من النار دون سواها وكذا فيما يتعلق بمسائل عصرية كالديمقراطية والانتخابات والتظاهرات والدستور والمرأة والحاكم ووجوب طاعته لا الخروج عليه والخوف الذي ينتاب هذه الجماعة من كل جديد وحديث آت من الخارج.
لكن ذلك لا يعني خلو بقية الفرق من التأويل المتنطع المحتكر لنفسه تفسير النص القدس، فما من شك بأن لكل جماعة وفرقة ما يميزها عن غيرها، الحوثيون ربما ظنوا أن الفرصة مواتية لهم للنيل من الشيخ/ الحجوري وأتباعه الذين هم مع النظام ومناوئون للثورة الشعبية، لكنهم غفلوا حقيقة أن هذه الثورة غايتها نبيلة وعادلة وهذه الثورة أيضاً تتقاطع كلياً مع فكرة الإمامة التي ينشدونها، فلا يعقل أن اليمنيين الذين ثاروا لإسقاط نظام حكم عائلي سيسلمون جمهوريتهم لنظام إمامي سلالي!!.
محمد علي محسن
لا ناصبياً أو رافضياً 2386