أعتقد جازماً أن المشهد المصري يذهب باتجاه آخر، بعيداً عن ثورة يناير ويبدو والله أعلم أن الثورة المضادة في هذا البلد الكبير قد تمكنت من الإمساك بخيوط لعبة كبيرة ستقود مصر والعالم العربي إن استطاعت فعلاً النفاذ إلى مآربها وتنفيذ أجندتها وسوف يؤثر هذا العمل بالمنطقة بأسرها قبل مصر.
فما يحدث في مصر أمر محير فعلاً ولا يمت إطلاقاً لأهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير بأي حال من الأحول، تسحل الناس وتعرى النساء وتسحب الفتيات بشعرهن في الشارع ويضرب المواطن بالهراوات ضرباً مبرحاً وقاتلاً في بعض الحالات وعلى المباشر وهذا النزر اليسير مما كشفته كاميرا بعض وسائل الإعلام وما خفي كان أعظم، هذه بعض المشاهد التي استفزت الشارع العربي بأسره وهزت الضمائر الحية..
إن ما يقوم به بعض الجنود في الشارع المصري لا يمكن أن يكون عفوياً أو بدون علم من المجلس العسكري الذي يخرج بعضاً من قيادته ليتحدثوا عن عدم رضاهم عما يحدث فيما يواصل الجنود ارتكاب تلك الأعمال الإجرامية والوحشية واللاإنسانية واللاأخلاقية، غير آبهين بتبعات ومترتبات مثل تلك الأعمال الطائشة.
وهل سقط نظام مبارك إلا لأنه قمع واضطهد ومارس كل أنواع القتل والسحل؟! ألم يكن حكم مبارك قد ارتكب مثل هذه الأعمال، فُخسف به وبأركان حكمه أو أن المجلس العسكري انقلب فعلاً على نظام مبارك وأراد أن يستأثر بالسلطة؟ وهذا الرأي أو القول ليس من عندي ولا هو من صنع أفكاري، لكنه تحليلات لبعض الكتاب المصريين، فهم يقولون لم نرى مبارك على شاشة التلفاز يتنازل عن السلطة والذي حدث أن عمر سليمان من أعلن ذلك، لهذا قد يكون العسكر هم من قالوا إن مبارك تنازل عن السلطة ورحل بينما الأصح أنهم انقلبوا عليه وتحولوا إلى أبطال بين عشية وضحاها وحماة للشعب، ولأن الثقافة المكرسة في رؤوس هؤلاء هي السيطرة وفرض القوة وممارسة القمع والقتل وسفك الدماء وإهانة المواطن وكرامته، فلم يكن لهم أن يتخلوا عن سلوكهم وثقافتهم التي تشربوا عليها منذ العهد البائد والتي تنم عن سلوك سلوطي فاسد متخلف يسعى إلى تطويع وتركيع الناس وبالقوة المفرطة التي شاهدناها جميعاً؟!.
ونظن أن من يحاول إصباغ مثل تلك المشاهد الوقحة على الجيش أو قوات الأمن المصرية هو بالأصل يقصد من هذا الإساءة للجيش وللأمن، بل وللشعب المصري بأسره، فلماذا يسمح لهم بذلك؟!
ثم إن من يحاول قراءة المشهد المصري الآن لا يخرج سوى بفرضيتين لا ثالث لهما، الأولى: أن العسكر وكما أسلفنا يسعون للسيطرة على الحكم ويتراجعون عن وعودهم بتسليم السلطة لحكومة مدنية.. أما الفرضية الثانية وهي الأخطر حسب اعتقادنا، فنعتقد أن فوز حزبي الحرية والعدالة والنور جاء بما لا تشتهي الأنفس، لذلك ذهب العسكري المصري وأطراف بقايا نظام مبارك للإجهاز على الانتخابات وإفساد الفرحة المصرية المنقوصة أصلاً بإجراء مثل هذه الانتخابات شبه النزيهة والانقلاب على الثورة وبطريقة التفافية، وإن كنا لا نتمنى أن تكون تلك الفرضية صحيحة، لأن انتصار الثورة المصرية ونجاحها هو نجاح للربيع العربي بأسره.. والله الموفق.
aBast66@HotmiL.com
عبدالباسط الشميري
انقلاب العسكر في مصر ماذا يعني؟! 2193