إن اختيار الوزراء أمر لا يتم دون دراسة من أي طرف من الأطراف، وهو ما يستدعي التوقف لبعض الوقت أمام اختيارهم، فهم مرآة صادقة تعبر عمن رشحهم لتلك المناصب الرفيعة التي تتعلق بها شئون الناس الدينية كوزارة الأوقاف أو الدنيوية كبقية الوزارات.
إن الوزراء تعبير صادق عن توجه كل طرف وحسن نواياه، واستعداده للانخراط في عملية سياسية لا تطالعنا فيها صور القتلة، ولا تلوث حياتنا كلماتهم، فمن المعلوم ضرورة أن الذي يريد الخير يختار أهل الخير، ومن يريد الشر يختار أهل الشر.
إن قول ما سبق مبني على قضية أساسية، يقرها العقل والمنطق: هي إن اختيار الوزراء أمر مدروس وليس أمراً اعتباطياً، ولا اختياراً عشوائياً، ولكنه أمر يخضع لتقييم ملفات المرشحين، وللوزارات التي سيتولونها، مما يعني أن اختيار فلان في المكان الفلاني، جاء بعد دراسة لمؤهلات الشخصية، ولمتطلبات الحقيبة الوزارية.
ومما لا شك فيه أن الأسماء التي ترشح لتبوء مقعد الوزير ـ أي وزيرـ كثيرة، وأن الاختيار يتم بعد أخذ ورد وتشاور وتداول للرأي، ودراسة تأثير ذلك الاختيار على الواقع المعاش في مستوياته جميعاً، وما تزال دراسة الأسماء تستبعد فلاناً وتقرب فلاناً، حتى لا يقع الاختيار على الشخص المناسب في رأي من اختاره، فاحتيار المرء قطعة من عقله كما يقول الأولون، ونضيف بأن ذلك الاختيار جزء من عقله ووطنية وورعه الديني واحترامه لشعبه، ومراعاته لأبناء الشهداء وأمهاتهم وزوجاتهم ومرحلة التوافق الوطني.
إن اختيار بعض الوزراء يدل دلالة قاطعة على أن هنالك من يخرج لسانه للثورة والثوار قائلا لهم: دماء الشهداء بامتداد الوطن لا تمنع من حجب اسم قاتل عن وزارة، أو مجرم عن القول عنه معالي الوزير، وأن تظهر صورته في التلفاز والصحف باعتباره رجل الدولة، والشخص القدوة للأجيال، ففي أي شيء سيقتدون به إلا في الصفات السيئة التي يتصف بها.
إن الثورة لن تنسى شهداءها وهي تشاهد تلك الصور البغيضة لأولئك القتلة التي يبثها التلفاز الرسمي، ولذلك فالثورة مواصلة في التصعيد حتى تقدم القتلة إلى المحاكمة، والثوار يدركون أن الثورة حق لأنها تطالب الحق، وأن وعد الله بالنصر صدق، لأنه وعد الله القائل: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (33) سورة الإسراء.
ولكن الأمر الذي يسترعي الانتباه ليس ظهور أولئك القتلة على بشاعته، بل استمرار من حرض على القتل يبث نشرة الأخبار التي نتابعها فنرى صوراً طالما حرضت على الفتنة تلقي على مسامعنا النبأ المهول: إن دماء الشهداء لا تساوي حجب صور من حرض على قتلهم، ومشاعر أسر الشهداء لا تساوي مشاعر مذيع أو مذيعة، وحتى لو كان الوزير من المجلس الوطني للثورة، فهذا أمر يجعلنا ندرك كم الثورات بحاجة إلى اكتمال مراحلها، بغض النظر عن الألقاب والمسميات، فالماء اختبار لكل غطاس.
إن ما يفسده التلفزيون اليمني أكبر مما يمكن تصوره، فالوجوه التي حرضت على قتل المدنيين ما زالت تظهر بصورة استفزازية، فكيف يمكن إيجاد أجواء جيدة للتهدئة وصور المذيعين المحرضين على قتل الشباب تطل علينا وكأن الوزارة لا تعلم أن التلفزيون يشاهده اليمنيون فيشعرون بالأسى مرتين مرة لأن الوزارة ما زالت تقتلنا بصور المذيعين الذين حرضوا على القتل، ومرة أخرى بالشعور بخيبة الأمل من وزير رائع في قامة المناضل على العمراني، التلفزيون هو الترمومتر لنجاحكم يا معالي الوزير، وأنتم خير من يدرك ذلك، مشاعر الشعب اليمني أولى من زعطان أو فلتان ممن حرض على قتل الشباب، أم أن هنالك رأي آخر لمعالي الوزير.
إن التلفزيون يخرج لسانه للثورة قائلاً لم تصنعوا شيئاً، نراعي مشاعر فرد ولا نبالي بمصاب الشهداء، ولا عظيم تضحياتهم، ولا أرواحهم الغالية، ولا ما قدموه لليمن، تلك هي الرسالة التي يقولها التلفزيون الذي يثبت أن الإعلام أداة هدم أو أداة بناء، ووسيلة نهضة أو وسيلة خراب، ما نراه اليوم أن التلفزيون غراب ينعق بصورة مستفزة، وكأنه عدو رابض في كل بيت، وليس صديق يرد لليمن رونقها، لا أمان للقتلة التسامح لا يعني أن نقول للضحية تسامح ولكن نقول الله العدل أمر بالعدل، ومن حرض على القتل يجب أن لا يظهر أمامنا، فهل هذا صعب على الوزير أم أن دماء الشهداء لا تستحق مثل هذا الأمر.
وأخيراً شكراً للمرأة اليمنية الثائرة بتظاهراتها السلمية ومنها مسيرة عصر أمس الثلاثاء، حيث تحركت مسيرة عملاقة للمرأة اليمنية في العاصمة صنعاء، رافعة صور الشهداء، مطالبة بالعدالة ضد من قتلة، ولكن التساؤل هل سنشاهد القناة الفضائية اليمنية تنقل تلك المسيرات أم أن الجزيرة والعربية والبي بي سي ترى هذه الفعاليات ولا تراها الفضائية اليمنية؟ أفيدونا مأجورين.
د. محمد عبدالله الحاوري
الوزراء والتلفزيون.. تأملات مشروعة 2117