;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

ثورات الربيع العربي أشرقت من تونس 2244

2011-12-19 05:24:15


بمناسبة الذكرى الأولى لانطلاق ثورات الربيع العربي التي أطلق شرارتها البوعزيزي الشاب التونسي المظلوم، فأشعل النار في جسده، معلناً انتهاء حكم الحديد والنار، وهنا نقف بالدعاء له، ونقف أيضاً متأملين ما صنعته ثورات الشباب العربي الحر في مشرق الوطن العربي ومغربه، حيث أن مطالب الشباب واضحة:
حرية ومساواة وعدالة اجتماعية وهي من أبرز المعاني التي جاء بها الإسلام، ورسخها على الأرض أول مرة
إن تحقيق العدالة يتم بإزالة الظلم والمظالم، وذلك يقوي وطنية الشباب، ويعطيهم الثقة في وطنهم، ونعني العدل بمعناه الواسع، العدل في توزيع الثروة وإدارتها، والعدل في وظيفة الدولة بمختلف مستوياتها، والعدل في الثواب والعقاب، العدل في اعتماد أصحاب الكفاءة، وليس أصحاب الثقة.
والحرية تتضمن إزالة الاستبداد سواء باسم الدين أو باسم الدولة، وإقامة الشورى والديمقراطية والشراكة الاجتماعية والسياسية، إن الوطن حقنا جميعاً، وعلينا تجاهه جميعا، حقوق وواجبات، وهذا هو الذي يؤدي تلقائياً إلى رفع المصلحة العليا على المصلحة الخاصة؛ لأن الوطن حين يكوناً حقاً لي، وواجباً علي، أرى مصلحتي الخاصة في إعلاء المصلحة العامة، ولكن المغالطة الكبرى تظهر حين يسوِّق البعض مصلحته الخاصة وربما اختزلت في شخص واحد على أنها هي مصلحة وطنية عليا وهذا هو الخطأ الجسيم؛ فالناس تسمع بعيونها حيث تقارن ما تسمعه من كلام بما تراه على الواقع، فترى الفرق بين كلام السلطة عن تحقيق العدل، وظلمها الذي جلل كل هامة.
ولن يزول الاستبداد إلا إذا تم الفصل التام بين التوأمين الملتصقين السلطة والثروة، وهو ما كلف الشباب في الوطن العربي القيام بثوراتهم الشبابية السلمية التي نجح بعضها وبعضها الآخر يسير في طريقه، وهي سلمية أدهشت العالم بحضارتنا، وأننا أمة حضارية، راقية، عظيمة، متماسكة، موحدة، يتظاهر شبابها، ثم ينظفون أماكن مظاهرتهم في منظر منقطع النظير.
ولن يزول الاستبداد إلا إذا جرم الكذب السياسي من أي شخصية عامة؛ لأن الكذب عار، وكذب الشخصيات العامة عند الله شديد، يصل جرمها على بعض الشخصيات العامة أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة لا ينظر الله إليهم، ولا يزكيهم ولا يكلمهم يوم القيامة، ومنهم... ملك كذاب.
ولو جرم الكذب السياسي لتجنبت الأمة ويلات الاستبداد الكثيرة؛ لأن الكذب السياسي من الشخصيات العامة هو البضاعة الوحيدة التي يجيدها الاستبداد، لقد بلغت الحماقة ببعض المستبدين أن يتهموا ملايين الأحرار من شباب مصر بأنهم عملاء وأنهم ينفذون أجندة خارجية، ثمانية ملايين شاب من خيرة شباب مصر يقال عنهم عملاء؛ لأن الوطني الوحيد هو الرئيس المخلوع حسني وحاشيته.
إن الاستبداد يجعل الإنسان أعمى، إنه يصبح بلا قلب لذلك يتجرأ على الله، ولا يبالي بأمر الله ولا يخاف من مخالفة أوامر الله، إنّـهم يغضبون ممن يخاف هواهم، فلماذا لا يخافون الله، ويخشونه، والله إن البدن ليقشعر وأنت تسمعهم يقولون أعاهد الله، والله يقول: {إن العهد كان مسئولا}، فالعهد مع الله أمر عظيم.
والمساواة تجعلنا نتخلص من جريمة التمييز التي وقع فيها من قبلنا، الذين كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإحقاقاً للحق يقول النبي صلى الله عليه وسلم: لو سرقت فاطمة لقطعت يدها. فقد جاء في الحديث الشريف: عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشاً أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حد من حدود الله". ثم قام فاختطب، ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" متفق عليه.
إن التمييز وجعل الشعب طبقات هو الذي أزال مجد الأمم من قبلنا، والمساواة في احترام الكفاءات، والمساواة في الحقوق والواجبات هي التي جعلت العدل سائدا، والمساواة أساسا لبناء الحياة وتعايش الأحياء، والحرية حقيقة ماثلة على الأرض، وقديما قال عمر رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
إن هذه المطالب الثلاث (العدل والحرية والمساواة) قد لخصها المفاوض الإسلامي الكبير البطل المجاهد ربعي بن عامر وهو يضع بين يدي رستم معالم الدين الجديد: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، وهو تلخيص واضح ومفهوم يجعلنا نتعجب كثيراً من فهوم كثير من الدعوات التي تلبس رداء الدين اليوم، والتي لا تأمر بعدل ولا تنه عن ظلم، وأخرى تخصصت في التفسيق والتبديع والتكفير بلا تفكير.
الشباب وحب الوطن:
إن مظاهر حب الوطن تتجلى في نواحي عدة، ومظاهر عديدة من الأعمال، وألوان كثيرة من الأفعال، وضروب متعددة من الجهود، ذلك أن الوطن مسقط الرأس، ومهد الطفولة، وملعب الصبا، ومضمار الشباب، وموئل الرجولة، ومنـزل الأحبة، وميدان الذكريات، ومجال الحياة الوسيع.
ورحم الله الشاعر العربي وهو يقول:
ولي وطن آليت ألا أبيعـــه... وألا أرى غيري له الدهر مالـكا
عهدت به شرخ الشباب ونعمه... كنعمة قوم أصبحوا في ظلالـكا
وقد ألفتــه النفس حتى كأنه... لها جسد إن غاب غودرت هالكا
وحبب أوطان الرجال إليهـم... مآرب قضاها الشباب هنالــكا
إذا ذكروا أوطانــهم ذكرتهم... عهود الصبا فيها فحنوا لذالكا
لقد رضعنا حبه مع حليب الأمهات، ونشأنا بحبه في مواطن الدرس، وأماكن العمل، وأوقات الجد والهزل، له علينا حق أن نحميه، وأن نذود عنه، وأن نعلي من شأنه، وأن نرفع من قدره؛ لأن في ذلك رفعة لنا، فعزة الأوطان من عزة أبنائها.
يقول الشاعر الشابي:
لا يرتقي شعب إلى أوج العلا    ما لم يكن بانوه من أبنائه
ويقول الشاعر إلياس فرحات:
موطنُ الإِنسانِ أمٌ فإِذا... عقَّهُ الإِنسانُ يوماً عقَّ أمَّه
ويقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
وللأوطان في دم كل حر    يد سلفت ودَيْنٌ مستحق
إن بلادة الإعلام الرسمي وصفاقته تجعله يقف مع الجلاد ضد الضحية، ويضلل السلطة والمعارضة والشعب، ويسوق رؤية مغايرة للواقع ومضرة لمن يتعاطى معها، لقد كانت تغطية تلفزيون المصري لأحداث ثورة شباب مصر خائبة، وكان التلفزيون يغطي عين الشمس بغربال، فهل يعتقد من في التلفزيون الرسمي أن عدم ذكرهم للأحداث يعني عدم وجودها.
إن تلك التغطية البائسة التي كانت تعتمد على تلفزيون الرئيس المصري السابق حسني مبارك، ذلك العضو الفاسد في جسد الأمة العربية، الذي سجدنا لله شكرا وهنأنا بعضنا بعضا من الخليج إلى المحيط لسقوط حكمه الطاغوتي؛ لأنه باع العراق، وحاصر غزة.
وها نحن نرى الإعلاميين المصريين يطالبون بمحاكمة جهاز إعلامهم التلفزيوني بسبب فضيحة تلك التغطية الزائفة والخادعة، والمشوهة لما قام به الشباب، والمتحاملة عليهم، وهو ما تكرر مع كل الثورات السلمية في الوطن العربي الحبيب.
إننا نشاهد أخبار القنوات الفضائية الرسمية فنحس أنها ليست للشعب ولا تمت إلى الوطن بصلة فأخبار أي قطر عربي لن تراها في تلفزيون ذلك القطر الذي يستلم موظفوه رواتبهم من الخزينة العامة ومن أموال دافعي الضرائب.
إن الوطن العربي بحاجة إلى جهود كل أبنائه الأحرار الشرفاء، أن يسهموا بدور ريادي وفعال وحقيقي في الكفاح التنموي لرفعة هذا الوطن، وعزة هذا الشعب العظيم، وازدهار هذه الأمة الخالدة؛ لكي يكون لنا مكان في منصة المجد، ولقبٌ في مضمار التتويج.
إن سبيل الصواب يتحدد في مهمة كل فرد في جسد هذا الوطن العظيم؛ ليكون عضواً نافعاً، ويسهم بفاعلية في التنمية من موقعه الذي هو فيه، الجندي في ثكنته وفي دفاعه عن الوطن وأمنه؛ يسهم بفعالية في تحقيق التنمية، والمدرس في مدرسته واهتمامه بدورسه وتحضيره يسهم بفاعلية في تحقيق تنمية الوطن، ويضع لبنة في صرح مجده، والمهندس، والطبيب، والقاضي، والمحامي، وأصحاب المهن المختلفة، والعاملون في مجال الزراعة، أو الصيد، أو في ميادين أخرى، أو في مجالات البحث العلمي، وصناعة المعرفة، كلهم يسهمون من مواقعهم، وبحسب ما يبذلونه في تقدم هذا الوطن، ورفعته، وتحقيق آماله، وطموحاته.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد