التغافل هو التغاضي وعدم التركيز على الأخطاء والزلات والهفوات تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور وترفقاً بالآخرين.
وقالوا أيضاً:
" هو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور" وتعالوا معي نقرأ هذه القصة ونتخيل معاً ماذا لو كنت أيها القارئ الكريم مكان حاتم الأصم .. تقول القصة:
إن امرأة جاءت حاتماً فسألته عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها "صوت" في تلك الحالة فخجلت،فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم
يا له من خلق كريم، لا يتصف به إلا كرام الناس وسادة القوم، و أنا أجزم أن الكثير لو كانوا مكان حاتم الأصم فإن أصغر فعل سيصدر منهم هو الضحك الهيستيري هذا إذا لم يعملوا من الموقف مسرحية.
ومن المحزن أن تجد في الناس من يتتبع عورات إخوانه ويفضح زلاتهم ويتلمس أخطائهم وينسى أن الجزاء من جنس العمل فمن أقال عثرة أخيه أقال الله عثرته ومن تتبع عورات الناس فضحه الله تعالى في عقر داره، فتجد الزوج إذا زاد الملح في صنف واحد من الطعام وقد أعدت له زوجته عشرة أصناف يقلب البيت على رأس زوجته المسكينة، وتجد بعض الآباء يترصدون لأبنائهم كما يترصد العدو لعدوه, طالبين عثراتهم، ناشرين زلاتهم وبعض الناس إذا أخطات بحقه دون قصد منك فلك الويل والثبور وعظائم الأمور, فالكلمة سيردها بعشر والجملة بمحاضره.
سنة ضرطة الخطيب:
يحكي القاضي العمراني في كتابه قصص وحكايات من اليمن هذه القصة التي نريد أن نقارن بينها وبين قصة حاتم الأصم، تقول القصة:
ضرط أحد الخطباء في صنعاء وهو يخطب، فاشتهر ذلك بين الناس، فاستحيا هذا الخطيب وترك صنعاء واغترب لعدة سنوات، ثم عاد إلى صنعاء، وفي مدخل صنعاء أراد أن يستريح ويشرب كوباً من القهوة قبل دخوله صنعاء فجلس في مقهى وطلب من المرأة القائمة على المقهى كوباً من القهوة فوضعته على النار وجلست تتحدث مع صاحبة لها وهو يسمع، فقالت احدهما للأخرى: كم عمر ابنتك؟ فقالت الأخرى: ابنتي ولدت سنة ضرطة الخطيب
فلما سمع ذلك انزعج وقام على إعقابه ممتنعاً عن دخول صنعاء وقال: وهل بلغ من شهرة الضرطه أن يؤرخ بها..
صدقوني أن هذه القصة تحكي حالنا بالضبط، فنحن نؤرخ للسنين بأخطاء الناس ونجعل منها نكات ومسرحيات وبرامج وروايات، نهجر الصديق بسبب غفلة ونقطع الرحم بسبب كلمة، ويطلق الرجل زوجته بسبب هفوة, ونسقط الناس من عيوننا بزلة ونشهر بالخصم ونعمل لزلته سهرة وحفلة وأصبح لطلب العثرات وتتبع العورات وكشف الزلات وزارة وموظفون اسمها وزارة الإعلام، نسأل الله تعالى أن يكفيها شر الكلام ويجنبها آفة التحريش بين الأنام.
قالوا عن التغافل:
يقول الحسن البصري: "ما زال التغافل من فعل الكرام" وقال عثمان بن زائدة، قلت للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء، تسعة منها في التغافل، فقال: "العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل ".
من كان يرجو أن يسود عشيرة **** فعليه بالتقوى ولين الجانب
ويغض طرفاً عن إساءة من أساء **** ويحلم عند جهل الصاحب
وقال كسرى لوزيره ما الكرم؟ قال التغافل عن الزلل.
وقال عيسى عليه السلام للحواريين: كيف تصنعون إذا رأيتم أخاكم نائماً وقد كشف الريح ثوبه عنه؟.
قالوا: نستره ونغطيه
قال: بل تكشفون عورته
قالوا: سبحان الله من يفعل هذا
قال: أحدكم يسمع بالكلمة في أخيه فيزيد عليها ويشيعها بأعظم منها.
إذن ستر العيوب والتجاهل والتغافل خلق إسلامي وأنساني يجب أن نتحلى به تغافل عن أخطاء زوجتك وأبنائك وتلاميذك وتغافل عن زلل أصحابك وأعدائك وتغافل عن هفوات كل من حولك ولا تعلق على كل فعل ولا تتوقف عند كل صغيرة وكبيرة، فلكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة وكلنا ذو وخطأ
وقال الشاعر:
أحب من الإخوان كل مواتي **** وكل غضيض الطرف عن هفواتي
خلق الذبابة:
لاشك أنكم تعرفون الذبابة أعزكم الله تعالى ولكن هل تعرفون ما خلق الذبابة، الذبابة دائماً وأبداً لا تقع إلا على الجروح وعلى القاذورات وبعض الناس عافانا الله تعالى وإياكم يتخلق بخلق الذبابة، فلا يذكر إلا السيئات ولا يمر إلا على المنكرات، ولا يرى إلا النصف الفارغ من الإناء والمصيبة أن هذا الخلق أصبح جزءاً من سياسة بعض الأحزاب والحكومات.
علمني أبي:
والتغافل أعظم درس علمنيه أبي حفظه الله تعالى, عندما سمعته يقول لولده وقد جاءه غاضباً يشكو إليه احد أقاربه سمعه ينال منه بسوء الكلام، فهدأ من روعه وامتص غضبه وقال " تدري ليش اعمل نفسي اصنج؟ علشان لو سمعت كلمة ما تعجبنيش أقول ما سمعتوش".
مع تحياتي أنا أحلام القبيلي
مواطنة متغافلة
alkabily@hotmail.com
أحلام القبيلي
دعوة للتغافل ... 3000