قد أكون مثل الكثيرين من أبناء الوطن الذي تنفسوا الصعداء عند إعلان تشكيلة حكومة الوفاق لأني كنت أنتظر بفارغ الصبر سماع أسماء أعضاء الحكومة، خصوصاً من سيختارهم المؤتمر بالذات بعد أن عودنا على أسماء تتكرر عند تشكيل أي حكومة وكأنها دخلت قائمة الخلود -لا في سجل الخالدين السعداء ولكن في سجل الفاسدين الأشقياء- غابت بعض الوجوه التي كنا بمجرد رؤيتها نصاب بالإحباط والكآبة واليأس خصوصاً عند الكلام عن الذمة المالية والإصلاح المالي والإداري ومحاربة الفساد, وكلما تشكلت حكومة لا نجدها تختلف عن سابقتها إن لم تكن أسوأ لأن أعضائها لا يتغيرون إلا بالتنقل من حقيبة إلى حقيبة ومن وزارة إلى وزارة وكلما زاد فساد أحدهم أصبح مرشحاً لتولى منصب أعلى أو وزارة أهم ..وتظل الكلام والشعارات واللعلعة على وسائل الإعلام هي المصاحبة لكل تشكيلة حكومية بعد أن تأصل الكذب في فلسفة السياسة وغابة ردة الفعل الشعبية والجماهيرية مما شجع على الاستمرار في الكذب ولأن الساسة رأوا أن الأسهل هو الكلام وليس البرامج، فتعودوا وأدمنوا عليه (( ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً)) حديث شريف.
عايشنا حكومات الائتلاف والتقاسمات وحلت على الوطن النكبات واستفحل الفساد مرتبطاً بالصراع السياسي ومرضى وضعاف النفوس ووجد الجميع أعذاراً أو اختلقوها أو صنعوها وكل حاول رميها على الآخر ...وقد تكون ساعدتهم الظروف الداخلية والإقليمية والدولية ...استطاع الفاسدون الإفلات من الحساب والعقاب من خلال الجولات والمراحل السابقة صحيح غابت وجوه أو غيرت وبدلت وبدا أن زمان الخلود الوزاري وعضوية الحكومة قد وضع له حد بفعل الظروف القاهرة والثورة الظافرة... وقد نقول تفاؤلاً إن بداية الغيث قطرة على أمل أن يأتي المزن بالغيث المدرار، رغم أن الجدب والقحط والجفاف السياسي فعل فعلته.. الوزارات شبه خرابة وخاوية ومفرغة من محتوياتها وإمكانياتها البسيطة التي أهدرت وفقاً لبرامج الفساد المستفحل بهدف إفشال ما بقي من هياكل أو بعض نجاح وإفساد وإعطاب الباقي البسيط من الصالح.. غيرت بعض الوجوه ونأمل أن تتغير معها النيات ويستوعب أصحابها مجريات الأحداث ومتغيرات اللحظة وبداية تشكل تاريخ جديد مبني على الشفافية وكشف المستور.. وهو ما يعد ضمانة للحفاظ على المال العام ودعماً لأولئك الذين أصبحوا أعضاء في حكومة الوفاق الوطني من خارج المؤتمر والذين انتقدوا كثيراً الفساد.. يعول عليهم الوطن اليوم بذل الكثير من الجد والجهد والمصداقية وتحويل الشعارات إلى برامج والكلام والأقوال إلى أفعال يلمس المواطن من خلالها بداية التغيير المنشود والمؤمل والمرجو .
لأنه لم يعد هنالك مجال للتسويف والمماطلة والمجاملة والمداهنة والأعذار ..ولم يعد الوطن قادراً على تحمل المزيد من الفساد والمماحكات السياسية التي يدفع دائماً فاتورتها..
ظهرت حكومة الوفاق بعد صعاب جمة.. ومخاض عسير.. نرجو أن يكون المولود المنتظر الذي انتظره الشعب واستحق الانتظار.. وعلى الجميع أن يدرك أنه لا مجال آخر سوى الجدية في العمل والإخلاص والتفاني، خصوصاً أن هدير الجمهور الثائر لا يتوقف وحناجرهم لا تصمت ولن تصمت ولعنات الفساد والمفسدين تتردد في أرجاء الوطن وتطالب بمحاكمتهم واسترداد أموال الوطن المنهوبة.
علي الربيعي
حكومة الوفاق الوطني الآمال والتحديات 1757