تابعت كغيري من المهتمين بالشأن اليمني حفل مراسم التوقيع على المبادرة الخليجية المعدلة التي وقّعت من قبل علي عبدالله في الرياض، بحضور خادم الحرمين الملك/ عبدالله وأركان الدولة السعودية إلى جواره، ومن حضر من ممثلي الدول والأمم المتحدة وممثلي المعارضة اليمنية وغيرهم.
لا أخفي بأن هواجس الشك في نوايا علي عبدالله صالح كانت الغالبة عندي، لأن هذا الاتفاق والتوقيع عليه في هذه الظروف هو مناورة من قبل علي عبدالله ومحاولة لإعادة تنظيم عناصر قوته وأنصار حكمه ليجدد الكرة على معارضيه بعد تفريقهم وإخراجهم من الساحات وحفر خندق عميق من الشكوك والكراهية بين المعارضة بكل أصنافها وثوار الساحات والميادين في كل أرجاء اليمن.. وهناك رأي آخر لا أستبعد صحته، مؤداه بأن بعض دول الخليج العربي أبلغت السيد على أنها لم تعد تستطيع حمايته ولا قبول مماطلته، فهي منشغلة بالوضع في بلاد الشام وعليه أن يرحل عن المسرح بعد تسليم مهام رئاسة الدولة إلى نائبه فوراً.. وهكذا تم التوقيع في الرياض.
(1)
إن أول إخلال باتفاق الرياض من قبل علي عبدالله هو أوامره لأولاده وأتباعه المسيطرين على الجيش والقوى الأمنية باستمرار قتل المتظاهرين في كل الميادين والساحات اليمنية، والعودة إلى صنعاء والالتقاء بقيادات عسكرية وأمنية وأعضاء حزبه في اجتماع عام وإصداره مراسيم رئاسية والتوقيع على قرارات حكومية بعد أن سلم مهامه الرئاسية حسب الاتفاق لنائبه وقبوله برئاسة شرفية لمدة تسعين يوماً لا يجوز له إصدار أي قرارات، خاصة بعد تعيين رئيس وزراء جديد من قبل رئيس الجمهورية بالنيابة.
إن بعض دول مجلس التعاون ارتكبت أخطاء جسيمة في حق الشعب اليمني، لأنها منحت علي عبدالله حصانات سياسية وقضائية، فلا تجوز مساءلته عما فعل ويفعل بالشعب اليمني وما أهدر من ثرواته، وتشويه سمعته بأنه يحتضن تنظيم القاعدة المحذور دولياً، وتحت هذا الاتهام يستعدي أميركا والعالم على شعبه، وأعطاها الضوء الأخضر لملاحقة معارضيه عن طريق الملاحقة بطائرات من دون طيار وكم من قرية دمرت وكم من نفس أزهقت تحت ذريعة محاربة الإرهاب!.
(2)
إن عدم تجميد الأموال والأصول الثابتة المسجلة باسم علي عبدالله وأفراد أسرته والمقربين منه والمتعاملين معه وأرصدة الحزب الحاكم والمتنفذين فيه في الداخل والخارج أمر في غاية الخطورة على استقرار اليمن ودول الجوار، لأنه سيوظف تلك الأموال للإخلال بأمن اليمن وعدم استقراره حقداً على هذا الشعب الذي ثار من أجل استرداد كرامته وسيادته على موارده الطبيعية التي أهدرها علي عبدالله وحاشيته.
إن النص في معاهدة الرياض الموقعة بين المعارضة وعلي عبدالله "بأن تجري الانتخابات الرئاسية في البلاد خلال ثلاثة أشهر "أمر يوحي بالشك في نوايا أصحاب المبادرة الخليجية، إذ أنهم يعلمون بأن هذه المدة الزمنية غير كافية في مجتمع مثل المجتمع اليمني الذي لم تعمل النظم المتعاقبة على حكمة على بناء دولة ذات مؤسسات يعتد بها.. هذه مصر تعتبر دولة بكل معنى الكلمة أعطت نفسها سنة على الأقل لإجراء انتخابات رئاسية بعد إسقاط نظام حسني مبارك، والسؤال المطلوب توجيهه إلى كل من عمل واعتمد هذه الصياغات للمبادرة الخليجية هل أخذتم في اعتباركم العزل السياسي لكل من أسهم في مأساة الشعب اليمني طول مدة ثلاثين عاماً ونيف؟ بأنه لا يجوز له الترشح لرئاسة الجمهورية وذلك لا يجوز لعلي عبدالله وأي من أفراد أسرته أو أقاربه أو أصحاب الحظوة عنده من أفراد حزبه الترشح لرئاسة الدولة.
إن مشروع المناصفة بين المعارضة والحزب الحاكم لتولي المناصب في إدارة الدولة أمر في غاية الخطورة، إذ أن هذا المشروع يكرس مبدأ الطائفية السياسية التي يعاني منها اليوم المجتمع اللبناني والعراقي ويبعث على عدم الاستقرار في اليمن في قادم الأيام، إن الواجب على دول مجلس التعاون كان يقضي بدعوة الرئيس اليمني بالنيابة إلى إصدار تشريع يقضي بحل الحزب الحاكم، لأن الأمين العام للحزب هو علي عبدالله، الأمر الذي سيخل بكل عملية التغيير السياسي في اليمن، وتكليف رئيس الوزراء المكلف بأن يعين حكومة من الأكثر كفاءة والمشهود لهم بالنزاهة والأمانة من أبناء اليمن الموحد لتكون حكومة انتقالية تعمل على إعداد دستور جديد يستفتى عليه من قبل الشعب، ثم تجري انتخابات برلمانية يكلف الحزب الذي حصل على الأغلبية بتشكيل الحكومة.
إن إبقاء علي عبدالله رئيساً للحزب الحاكم دون تجميد أمواله وأموال أنصاره وأفراد أسرته ومن تعاون معه وأركان حزبه وأموال الحزب ومقراته دون حراسة قانونية على تلك الأموال كي لا يتم التصرف بها من قبلهم، إذا لم تتم هذه الإجراءات فإن اليمن سيشهد حتماً أوضاعاً لا تحمد عقباها لليمن وجواره، خاصة في مرحلة الانتخابات القادمة.
إنه أمر في غاية الأهمية جعل الانتخابات الرئاسية بعد مرور عامين وليس ثلاثة أشهر كي تندمل الجراح وتسوى كل المظالم وينزه القضاء من كل الشبهات، ليكون رقيباً على العملية السياسية. إنها أمانة مجلس التعاون لقيادة اليمن إلى بر الأمان والاستقلال وكل شرفاء اليمن.
× نقلاً عن الشرق القطرية