تعرف ازدواجية الشخصية بأنها تعبير عن التباين بين فكر الفرد وسلوكه أو التظاهر بما ليس فيه أو التناقض الواضح بين ما يقال وبين ما يمارس فعلاً، وهو ما يعرف في علم النفس والاجتماع بالفجوه الواسعة بين المثل العليا والواقع الاجتماعي والتي يكون من مؤشراتها في الحياة اليومية:- الخداع والتحايل والمسائرة والمجاملة والتذلل والمراوغة والخوف والخضوع والتزلف والتقرب إلى الآخرين ومدحهم بما ليس فيهم، وتعد الأصولية والانتهازية في كثير من الأحيان من بين السمات الأساسية للشخصية الازدواجية.
ونلاحظ أن هذه السلوكيات تنتشر بشكل كبير في المجتمع اليمني،ونستطيع أن نلاحظها ونلمسها في تعاملاتنا اليومية بشكل ملموس،وكلها تمثل انعكاساً لبنية النظام السائد في اليمن،الذي يفتقر إلى أهم عنصرين أساسيين يحتاجهم الإنسان حتى تستقيم حياته ويطمئن إلى مستقبله بصورة مرضية وهما عنصر الغذاء والأمن، بالإضافة إلى القانون والعدل، فعندما لا يستطيع الإنسان إشباع احتياجاته ـ فإنه يسعى إلى إشباعها بإتباع أي أسلوب،حتى وإن كان بعيداً عن القيم والمثل الإنسانية العليا،كأن يستخدم أساليب النفاق والخداع والمكر والكذب والرياء و..........لخ
وغالبا ما يرتبط أو يتزامن هذا النوع الازدواجي من السلوك مع الفترات التي يتعرض فيها الناس للظلم والقهر والاضطهاد بأشكالهم المختلفة.
فالناس يمارسون هذه السلوكيات ليعبروا من خلالها عن واقع ثقافي واقتصادي وسياسي معين، فالظروف والعوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية السائدة في أي بلد تعمل على دفع الفرد إلى ممارسة السلوكيات السابقة كنوع من التدابير أو إجراءات أو تصرفات يتخذها الإنسان عندما يكون في حالة خوف أو حالة قلق على وضعه الاقتصادي أو المعيشي أو عندما يرغب في تحسين هذا الوضع والمحافظة عليه في ظل حكومة تسخر موارد البلاد لصالحها ومنافعها الذاتية ولا تستجيب لنداء المال جراء إشغال وظائف إدارية معينة في الدولة وما يرتبط بها من جاه وسلطة، كما أن الأفراد يدركون بحكم الخبرة والمراس أنهم إذا مشوا في خط السلطات نفعتهم وإذا خرجوا عن خطها ضرتهم وآذتهم، لذا فهم يخافونها ويبالغون في احترامها والتذلل لها، وفي الوقت نفسه يسبونها ويحتقرونها في قراراة أنفسهم (فاليد التي ما تقدرش تكسره بوسه)وهو ما يسمى بال(السياسة التحتية )أي سياسة الأفراد الذين السلطة لهم.
وفي نفس الوقت نجدأن النظام المتسلط من جانبه يبحث عن هؤلاء المنافقين والمتملقين الباحثين عن السلطة والراغبين فيها ويعمل على جذبهم وكسبهم وتربيتهم ويقوم بتوظيفهم من أجل أن تعزز سيطرتها على أجهزة الدولة وتطيل من عمرها، وفي الغالب نجد أن هذه الفئة من الناس تتمتع بقدرات فكرية وفنية ومهارات لغوية وإدارية تمكنهم من التقلب يميناً وشمالاً حسب الموجة التي تخدم المصلحة وإمكانية الحصول على مغانم أو مناصب اجتماعية أو سياسية، وبذلك تصبح هذه الفئة حارسة لأفكار هذا النظام ولنا في (عبده الجندي) و(ياسر اليماني) وغيرهم من حماة الأنظمة المتسلطة المتواجدين في جميع مؤسسات الدولة خير مثال على ذلك.
إن اتشار ثقافة القهر والخوف والتذلل والمكر والمراوغة والكذب والرياء لا تنجم عن الحكومات غير العادلة أو النظم الاقتصادية فقط، بل هناك مصادر عديدة تسهم في نشر هذه الثقافة واشاعتها بين الناس كالتربية الأسرية ونظام التعليم السائد وطريقة أداء الأحزاب والمنظمات والنقابات.
ولأن سمات أي شخصية لا تنفصل عن ظواهر المجتمع الذي توجد فيه نستطيع القول أن سمة الإزدواجية هذه التي صارت منتشرة بين أبناء المجتمع اليمني ومؤسساته ليست فطرية أو أزلية في الشخصية اليمنية، بل يمكن تغييرها والتخلص منها بمجرد تغيير الظروف والأحوال التي أدت وساهمت في ايجادها وأهمها الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهو أحد أهداف الثورة الشبابية الشعبية التي قامت لا قتلاع كل ما تجذر من ممارسات لسنوات طويلة لم يمتلك فيها هذا النظام المشاريع التحديثية التي يصل من خلالها بهذا البلد إلى مصاف البلدان المتقدمة.
*أمين عام تجمع أكاديميين من أجل التغيير -تعز