إن الثورة الشبابية الشعبية التي ولدت من رحم المعاناة جراء ظلم نظام علي صالح الذي اكتوى بناره أبناء الشعب اليمني ردحاً من الزمن،لم تقم من أجل الإطاحة برئيس أو برجال بعينهم، لكي يأتي غيرهم بنفس القواعد ولكي يمارسوا الحكم بنفس القوانين والأنظمة والآليات التي كانت في عهد الرئيس المخلوع شعبياً.

فالثورة بمعناها الراديكالي تعني إحلال منظومة قيم جديدة في الجانب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي وعلى كافة المستويات،من أدنى وحدة اجتماعية في المجتمع إلى أعلى وحدة، فلا بد من تغيير جميع الآليات والوسائل التي شكلت غطاءً شرعياً لهذا النظام طوال الفترة السابقة، وعملية الإحلال للقيم الجديدة لا تتم عبر التسويات السياسية بل تتم عن طريق خلق وعي ثوري يشمل كافة قطاعات المجتمع.

لذا فإن المبادرة الخليجية وقبول أحزاب المعارضة التوقيع عليها وما تحمله من إعطاء ضمانات للقتلة، ستكون نتائجه مزيداً من تأخير تحقيق أهداف الثورة وصياغة اليمن الجديد، لأن العبث الصالحي لن ينتهي مع توقيع هذه المبادرة،خاصة وأن الذي أجبره على التوقيع ليس مصلحة البلد كما يدعي، بقدر ما هي مصلحته الشخصية في ظل الضغوطات التي مورست عليه من قبل مجلس الأمن وخاصة بعد الزيارة الأخيرة لجمال بن عمر التي استطاع شباب الثورة الذين التقوه أن ينقلوا له جرائم علي صالح بعد قرار مجلس الأمن الأخير، وهكذا لم يكن لعلي صالح من مخرج غير القبول بالحل السياسي، خاصة بعد فشل كل محاولاته لإخماد الثورة عبر حرسه العائلي من محاولة فض الاعتصامات وقنص المتظاهرين أو الاعتداء على المسيرات أو إحراق للساحات

وفي تصوري أن العبث الصالحي بعد توقيع المبادرة لن ينتهي، لأن أعوان النظام سيظلون في حالة تلكؤ وسيتعاملون بنفس أسلوب رئيسهم من المراوغة والمماطلة،(خاصة وأن سياسة المرواغة والمماطلة جزء من بنية وشخصية هذا النظام) وعدم قبول بهذه المبادرة حتى بعد التوقع عليها، بما يعني استباحة جديدة للدماء،وانتهاكات قادمة،لأن التسويات السياسية لا تساعد على إحلال منظومة القيم الجديدة التي قامت من أجلها الثورة، خاصة وأنه ستكون هناك مقاومة شديدة من قبل الفئات التي نمت مصالحها في ظل حماية هذا النظام وآلياته وبالتالي ستعمل على عرقلة كل ما من شأنه المطالبة بالتغييرات التي ينبغي أن تحقق أهداف الثورة، بما يعني تأخير تحقيق هذه الأهداف مرحلة زمنية أخرى.

لذا فإني أدعو جميع الثوار إلى التحول إلى جميع مؤسسات الدولة من أجل إسقاط بنية النظام الفاسد سواء عن طريق المطالبة بتنفيذ اللوائح والأنظمة أو تغيير ما تم استخدامه كغطاء شرعي لهذا النظام من القوانين والأنظمة طوال فترة حكمه، وفضح صور الفساد التي تشكلت في هذه المؤسسات وإرساء لمبدأ المساءلة والمحاسبة، فالثورة الآن في بداية المخاض ولا بد أن نحافظ على الجنين من التشوه أو الموت أو الإجهاض.فهذه الثورة لن تجنى ثمارها ايجابياً إلا بطلاق بائن مع النظام السابق وآلياته.

سيظل شباب الثورة يرددون دائماً

سنظل نحفر بالجدار...أما فتحنا فتحة للنور

أو متنا على ظهر الجدار

*

الأمين العام لتجمع أكاديميون نحو التغيير