;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

الثورة الشبابية وانتصار حق الشعب في الحرية والتغيير 2219

2011-11-30 03:27:09


إن الذي ينظر إلى انتصار الحق عبر تاريخ الإنسان بامتداد الزمان والمكان يدرك حقائق أساسية من أهمها:
إن الأسباب المادية تكون في جهة الباطل أقوى وأكثر، قال الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (82) سورة غافر. وما يزال الباطل يتناقض، ويتناقص، ويتآكل، ويتناثر، ويتبدد شمله، والحق يقوى جنده، ويشتد عوده، ويقوم على سوقه، حتى يبلغ أشده فإذا بلغ أشده، آن أوان زوال الظلم، قال الله تعالى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} (18) سورة الأنبياء.
إن الحكمة من ذلك أن يعلم العباد أن النصر من عند الله تعالى فلا يغتروا بالأسباب وكثرتها، قال الله تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ} (25) سورة التوبة. فالحق منصور من الله وإن كان أهله قليل، ومالهم قليل، وسلاحهم قليل، فالله هو الذي نصر وليس أحد غيره. فقد جعل الله النصر من عنده وحده، قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (126) سورة آل عمران.
مهما بلغت الأسباب حتى ولو كانت مددا من الله بالملائكة قال الله تعالى: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين (9)} أي: متتابعين يردف بعضهم بعضا. ثم عقب على هذا المدد بأن النصر من الله تعالى ومن الله تعالى وحده، فقال: {وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم (10)} سورة الأنفال.
    فلأجل ذلك فإن فئة الحق هي المنصورة، قال الله تعالى: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (249) سورة البقرة. وهنا لا بد من الصبر لأجل معية الله عز وجل، فعلينا مواصلة التصعيد بكل الوسائل والأساليب السلمية حتى تحقق الثورة كامل أهدافها وأن نحكم في القتلة واللصوص شرع الله فنحن في عبادة لأننا نريد تحقيق شرع الله عز وجل.
أما الآخر في مسألة انتصار الحق أن يعلم الخلق أن الحق منصور من الله وليس من أحد غيره، فإنك إذا نظرت إلى مكر أهل الباطل وشدة مكرهم حدا قال الله عز وجل عنه: {وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ } (46) سورة إبراهيم. فمكرهم الذي مكروا به أن حركوا أدواتهم في شمال الشمال، وجنوب الجنوب، وفي المثلث المتفكك حتى أنهم قتلوا النفس المحرمة، وانتهكوا كل الأخلاقيات حتى وصلوا لقتل النساء والأطفال، وأدخلوا الدسائس، فما أشد مكرهم وما أصدق سنة الله التي لا تتبدل، قال الله تعالى: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (43) سورة فاطر. ففشل مكرهم آية من آية الله القائل: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} (54) سورة آل عمران.
وأمر ثالث أن سنة الله عز وجل قامت على التمحيص والابتلاء حتى يعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، تلك سنة الله في خلقه، قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) } سورة العنكبوت. وقال الله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ} (141) سورة آل عمران.
فيظهر صدق الصادقين في طاعة الله الذي أمر على لسان نبيه بتغيير المنكر، وليس بالتفرج على من يفعل المنكر، ولا ترك من ينهى عن المنكر بلا نصرة له، ولا السماح لمرتكب المنكر بزيادة التوغل فيه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ومن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان" رواه مسلم.
فلا منكر بعد الشرك وترك الحكم بما أنزل الله أشد من قتل النفس المحرمة، فيجب إقامة الحدود الشرعية بالمحاكمة العادلة للقتلة مهما كانت مناصبهم فأمر الله فوق كل ذي منصب كائنا من كان، ومن حال دون ذلك فقد ضاد الله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله" رواه أبو داود.
وأمر رابع أن الله عز وجل يتخذ من عباده شهداء يختارهم بأمره ويصطفيهم لجواره، فيكون الابتلاء رافعة لهم ليصلوا إلى تلك الدرجة العظيمة قال الله تعالى: {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} (140) سورة آل عمران.
وأخيرا فإن الناس بين مؤيد للحق أو خاذل له، والله سيحاسب الجميع، قال الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (40) سورة النساء والله تعالى يقول: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا} (17) سورة الإسراء. 
إن الله تعالى هو من يحاسب الخلق ولا أحد غيره، فمن ترك نصرة الحق فبين يديه الحساب، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} (47) سورة الزمر. فتأمل قال الذين ظلموا ولم يقل الذين كفروا. روى البيهقي في شعب الإيمان لما حضر الوفاة أحد السلف بكى، فقيل له ما يبكيك؟ إن كنا لنغبطك لهذا اليوم! قال: أما والله ما أبكي أن أكون أتيت شيئا ركبته من معاصي الله اجتراء على الله، ولكني أخاف أن أكون أتيت شيئا أحسبه هينا، وهو عند الله عظيم، قال: وبكى آخر عند الموت، فقيل له مثل ذلك، فقال: إني سمعت الله يقول لقوم: {و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون}.
سيدي القارئ هيا إلى تغيير المنكر، ولا أعظم منكراً من ترك الحكم بما أنزل الله، والحكم بأهواء البشر، هيا إلى تحكيم شريعة الله، كن حيث يحب الله أن يراك، ولا تكن مع الظالمين، حتى لا تحشر معهم ففي الصحيحين عن رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم: "المرء مع من أحب".
فمن أحب قاتلاً حشره الله معه، ومن أحب ظالما حشره الله معه، ومن أحبه فقد أسخط الله تعالى لأنه أحب من لا يحبه الله، قال الله تعالى: {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (57) سورة آل عمران. بل إن الله لعنهم قال الله تعالى: {أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} (18) سورة هود. فمن يحبهم يحشر معهم مع الملعونين المطرودين من رحمة الله، فالمؤمن لا يقف مع الظالمين، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد