بصورة عكست العزم على مواصلة النضال الثوري حتى إسقاط النظام، وإحالة من تسبب في إزهاق أرواح الثوار إلى المحاكمة العادلة، كانت جمعة "ثورتنا مستمرة" وبحشودها الأكثر منذ بدء الثورة رسالة تؤكد أن تحقيق الثورة انتصار أولي بإجبار رأس النظام على توقيع اتفاقية خلعه، ليس كل ما يطلبه شباب الثورة، ولم يكن يوماً في وارد مطالبهم أن يحصل القتلة على حصانة تعفيهم من المساءلة القانونية.
ورغم ما يمثله توقيع المبادرة ـ ببندها المتعلق بتنحي الرئيس ـ من انتصار رمزي للثورة في نظر الثوار، إلا أن المستفيد الأول من مجمل الاتفاق هو النظام وأركانه، فقد وجد فيه حصانة وضمانة تسقط عنه وجوب المحاكمة وتحفظ له الأموال الطائلة التي اختلسها من خزينة الشعب طيلة فترة حكمه الممتد لـ33 سنة موغلة بالفساد، غير مدرك أن ما من قوة تقف حائلاً بينه وبين قدرة الحق على الانتصار، وان ما من حق يضيع وراءه مطالب، فعاجلاً أم آجلاً ستطاله يد الثوار الباحثة عن حق القصاص.
الثوار الذين ما ثنى صمودهم القتل والتنكيل، ولا أرخى عزمهم طول المدة الزمنية للثورة، ولا نال من ثقتهم بثورتهم وبأنصارها أراجيف النظام وأباطيله، هم ذاتهم من خرجوا بحشود قل نظيرها منذ بدء الثورة، رافعين شعار "ثورتنا مستمرة" بعد أكثر من تسعة أشهر، حتى تتحقق كامل الأهداف التي خرجوا من أجلها، أي عزم هذا! وأي صبر وصمود هذا الذي يحملونه!! يحق لليمن بأسرها أن تفخر بهذه الثورة، الثورة التي تتمثل فيها كل معاني الإيمان والحكمة والقيم النبيلة.
على بقايا النظام أن تدرك أن الثورة التي أجبرت رأس النظام على التنحي لن تتركهم دون أن تحلقهم بذات الطريق التي أجبرت كبيرهم على سلوكهم، فالتنحي إجباراً وإكراهاً هو المصير الذي سينتظرهم، ما لم يسارعوا إلى التسليم بشرعية الثورة والإقرار بما يصدر عنها من أحكام تجاههم نظير مشاركتهم في الإجرام بحق الثورة والثوار.
تحاول بقايا النظام أن تقلل من النتيجة التي أفرزها توقيع رأس النظام، فتراها تواصل في سفك الدماء دون اكتراث لمتغير طرأ، وتريد أن تثبت أن الشرعية هي شرعية القوة، وأن الحق هو حق القوة وتلك الحسابات خاطئة أسقطتها الثورة من قبل وأكدت المبادرة الموقعة على ذلك.
الثورة ليست ثأرية كما قال خطيب الساحة، وهي ليست كذلك عندما تطهر الحكم من رموز عاثت بالبلاد فساداً وخراباً، هي بذلك تطبق الأهداف التي قامت من أجل إسقاط نظام أفسد كل شيء والثورة مستمرة حتى إسقاط كل رمز للفساد والظلم في هذا النظام.