(يا مشير سير سير)، هكذا هتف المتظاهرون المؤيدون للمجلس العسكري في مصر، المتحدث باسم المجلس العسكري كان قد اعتبر حكم المجلس لمصر بأنه مستمد من الشعب المصري وعلى هذا الأساس فإن المجلس لن يسلم السلطة سوى للشعب لا لجماعة أو فئة من المتظاهرين في ميدان التحرير.
هكذا إذن المسألة ؛ فحتى هؤلاء الضباط الذين جاءت بهم الضرورة الثورية إلى رأس هرم السلطة السياسية صاروا اليوم يحدثونا عن أنفسهم كضرورة حتمية وكسلطة شرعية منزهة عن الشبهة والشك، فأعتقد أننا إزاء معضلة مزمنة لطالما عانى منها كل من يصل لسدة الحكم.
فالمشير الطنطاوي ورفاقه لم يمض على تسنمهم للسلطة تسعة أشهر ونيف ومع هذه المدة القصيرة لا يبدو أنهم يعودون إلى ثكناتهم قريباً مثلما غادروها، ففي ذاك الوقت العصيب والاستثنائي مثل وجودهم فيه نوعاً من الكبرياء والكرامة والإجلال للمهمة العسكرية والوطنية والسيادية التي تؤديها المؤسسة العسكرية ولواجبها ودورها كحامية وذائدة عن الشعب والوطن والدولة والسيادة والدستور والمكتسبات والنظام العام.
أفهم كثيراً تلك المخاوف والهواجس التي سمعتها من أولئك الرافضين المناوئين لتظاهرات الشباب في ميدان التحرير والمطالبة بتنحية المشير وجنرالاته، فقلق هؤلاء له ما يبرره من عدة نواحي، فيكفي القول هنا أن سلطة الدولة غائبة كلياً رئاسة وحكومة ومجلس شعب وحتى شرطة حماية النظام والقانون.
الحاصل أن الدولة المصرية لم يعد لديها من سلطات الدولة غير سلطة المؤسسة العسكرية القائمة، ففي حال سقطت هذه السلطة فإنها ستكون بمثابة المسمار الأخير في بنيان الدولة التي مازالت قائمة بوجود هذه المؤسسة العسكرية والعكس أيضاً إذا ما توارت أو سلمت مقاليد البلاد للفوضى والعبث.
لا أتحدث عن طبيعة المهمة الوطنية للمجلس العسكري، فما هو مؤكد أن الحالة الثورية اقتضت سلطة ثورية من هذا القبيل، لكنني هنا أشير إلى طبيعة وتكوين شخوص جنرالات الجيش الذين لا يختلفون كثيراً عن الحكام المستبدين.
فبرغم أن هؤلاء الجنرالات لم يأتوا بانقلاب عسكري أو برغبة وإرادة الجماهير الشعبية وإنما جاءت بهم اللحظة الثورية وأتى بهم واجبهم الوطني والأخلاقي والموضوعي ؛ إلا أن المتأمل في إدارة العسكر لسلطة المرحلة الانتقالية سيجدها قريبة جداً من إدارة الرئيس مبارك ونظامه الذي لم يتورع عن اعتبار ذاته ضرورة وطنية لكل المصريين.
في البدء تعهد المجلس بتسليم السلطة خلال مدة ستة أشهر ومن ثم تمددت إلى السنة بل وإلى أجل غير مسمى، الآن وبعد أن عاد الثوار إلى ميدان التحرير وللمرة الثالثة سمع المصريون بتاريخ الأول من يوليو القادم كنهاية لحكم العسكر، لماذا وكيف تمددت من 6أشهر إلى عام ونصف؟.. بالطبع خوفاً من أغلبية إسلامية في انتخابات أول هيئة تشريعية ينتظر منها صياغة الدستور الجديد، هذا التأجيل تم بذريعة عدم جاهزية الأحزاب الحديثة لخوض غمار المنافسة، بينما الحقيقة الجوهرية هي أن الجنرالات لا يأتون بديمقراطية أو ممارسة نزيهة متحررة من نفوذهم.
اليوم فقط يدرك الثوار حقيقة الطغيان المتدثر برداء حماية الشرعية الشعبية، فبعد عشرة أشهر من ثورتهم على الرئيس مبارك ونظامه القمعي البوليسي هاهم يستفيقون وللمرة الثالثة ولكن ليس لإسقاط حكومة عصام شرف الصاعد من ساحة التحرير فحسب وإنما لرحيل المشير الطنطاوي ومجلسه العسكري باعتبارهما واحدة من تجليات العقلية العربية المنتجة للطغيان والاستبداد.
لا يغرنكم الكلام عن الديمقراطية وحقوق الإنسان ؛ فالواقع كفيل بكشف الحقائق المريرة،أحد هؤلاء الجنرالات سمعته يتحدث عن الشعب والوطن والأمانة الثقيلة الملقاة عليه وزملائه، قال بأنه ورفاقه لن يسلم السلطة إلا للشعب، فمثلما حمّلّهم الشعب هذه الأمانة ينبغي تسليمها متى ما أراد الشعب المصري؟.
كلمات تشير بطغيان تشكل على حين غرة من الثورة والثوار، فكون السلطة حملاً ثقيلاً على جنرالات المجلس العسكري، إلا أنهم بالمقابل لا يريدوا تسليمها دون ثورة وتضحية ودم، فعلى ما يبدو أن بداخل كل إنسان عربي - كان عسكرياً أم مدنياً - هناك ثمة مستبد وديكتاتور يولد وينمو ويتضخم حين تدنو منه السلطة.
محمد علي محسن
المشير طنطاوي وجنرالاته 2415