ذكرت في المقال السابق أن الإنسان المقهور والمجتمعات المقهورة تمر بثلاث مراحل،هي مرحلة الرضوخ،ثم مرحلة التمرد والثورة، مروراً بمرحلة الاضطهاد.
ولأن الشباب كانوا أكثر فئات مجتمعنا قهراً مقارنة بالأحزاب،فالشباب بلا وظائف،والشباب مستلبي الطموح والشباب تائهة لا يعرف أين المخرج من كل الأبواب المقفلة أمامه في ظل سياسة هذا النظام الذي ما أن تسعى إلى فتح باب حتى تتفاجأ بأقفال كثيرة سرقت مفاتيحها وأستحوذ عليها عصابة سارقي الأحلام والطموحات في هذا البلد المكلوم.
أما الأحزاب ورغم أنها تشترك مع الشباب في نيل حصتها من القهر الذي مورس تجاهها في ظل نظام لا يحترم معنى الحزبية ولا حرية الرأي ولا الديمقراطية التعددية،إلا أن الأحزاب مقارنة بالشباب كانت تستطيع مواجهة هذا النظام إلى حد ما عبر الآليات السياسية التي اعتادوا عليها حتى اعتقدوا أنها السبيل الوحيد للحد من فساد علي صالح وإيقافه عند حده، أما الشباب فلم يكونوا يمتلكون أي آليات للمواجهة في ظل سلطوية هذا النظام المستبد وضعف آلياتهم ووسائلهم.، لذا استطاع الشباب لوحدهم أن يتمردوا و أن يكونوا أول من بادر للمطالبة بإسقاط هذا النظام عبر خروجهم واعتصامهم في الساحات،ولعلنا نتذكر كيف كانت الأحزاب في تلك المرحلة متحفضة عن عبارة (ارحل )التي رفعها الشباب دون قلق أو خوف أو تخطيط أو نتائج حوارات سياسية.
فالشباب كانوا يريدون أن يستقلوا عن كل ما كان له علاقة بالنظام الفاسد لذلك هتفوا (لا حزبية ولا أحزاب ثورتنا ثورة شباب(.
ورغم أن الشباب طاقة لا يستهان بها،وطاقة فرضت نفسها على الأحزاب ليلحقوا بهم في الميادين والساحات، إلا أن آليات الشباب أضعف من آليات الأحزاب على المستوى المادي ومستوى الحشد والمستوى العسكري، في مواجهة قهر النظام وجبروته، لذلك كان الشباب يواجهون إفراط المشترك في الحوارات والتسويات السياسية عن طريق إسقاط مشاعر الذنب والتبخيس الذاتي لديهم على شريكهم في الثورة اللقاء المشترك،وبدل أن يسقط الشباب هذه المشاعر على نظام علي صالح المضطهد له، نجده يتحول نحو الآخر الشبيه،الآخر المقهور،كنوع من تفريغ العدوانية المتراكمة من ظلم النظام،والهدف من ذلك هو تحطيم الصورة غير المقبولة عن الذات التي تعكسها مواقف المشترك عبر التسويات السياسية.
وهذه الآلية النفسية رغم نجاحها في تخفيف مأزق الشباب الوجودي مقارنة بألية الرضوخ لعلي صالح التي يرفضونها رفضاً تاماً،إلا أنها ليست الحل الملائم لمأزق الشباب، لأن الاضطهاد مرهق ويجعل الإنسان يعيش دائماً في حالة توقع للخطر مما لا يسمح بارتياح كاف، وخاصة أن الشباب يدركون تماماً أن المشترك شريك لهم في الثورة،وأنهم ليسوا الأعداء الحقيقيين، ولابد بعد فترة تطول أم تقصر من الوعي بمصدر المأساة الحقيقي من التوجه بالعدوانية والعنف نحو هذا المصدر، بعد فترة إعداد واختمار تنضج خلالها إمكانية التمرد والانتفاضة.
*أمين عام تجمع أكاديميون نحو التغيير
ألفت الدبعي
ثورتنا ثورة شباب 1854