عندما نصبح أدوات بيد مشاريع الآخر، ورغباته ونزواته، عندما نضطر لتبرير ممارسة أشياء خلافا لرغباتنا وقناعاتنا، عندما نجد من لا يزالون يختزلون كل أنواع القمع والتسلط الممارس عليهم بقولهم (مالنا إلا...) ويشعرون بلذة ما يقولونه وكأنه اليقين، عندما تعتقد بأنه لا خلاص إلا بالرضوخ والتبعية كقدر مفروض فلا يصبح أمامك إلا أن تكون أسيراً لثقافة الإرتهان، لا يكون أمامك إلا أن تتزلف وتستسلم وتبالغ في تعظيم ما أنت خاضع له، إتقاء لشر من مارس القهر تجاهك، أو طمعا في رضاه،لأنك تعيش في عالم بلا رحمة، أو تكافؤ، لأنك إذا أردت المجابهة أو فكرت في التمرد سيكون الرد حاسما بقمع كل أفكارك التمردية.
لقد عشنا فترة طويلة في عالم التسلط واللاديمقراطية وبدل من أن تكون علاقتنا مع الآخر (أنا - أنت)التي تجسد قيم المساواة والاعتراف المتبادل بإنسانية الآخر وحقه في الوجود، فبدلا من هذه العلاقة، سادت في أنماط علاقاتنا الخاصة والعامة منها نوع آخر من العلاقات، فصارت علاقتنا مع الآخر قائمة على أساس (أنا - وذاك)فذاك هو الشيء الذي لا اعتراف به أو بإنسانيته،لذلك من السهل استباحته أو ظلمه أو الاعتداء على حقوقه أو استغلاله أو حتى قتله، وجعله تابعا أو أداة لخدمة ذاتية المتسلط وهكذا......الخ.
لذا نستطيع أن نفهم لماذا يرددون ما لنا إلا علي ؟ حتى وإن قام بإستباحتهم وإرهابهم حتى في لقمة عيشهم
ونفس المقال نستطيع أن نقوله في الزوجة التي يمارس عليها كل أنواع الاستغلال والقمع والتسلط فتقول (ظل راجل ولا ظل حيطة) وهو نفس المقال الذي يعبر عن الزوج المرتهن لكل طلبات الزوجة التي تشغل زوجها بالأولاد والبيت وتصفير جيبه من أي مبالغ مالية أو جعله يدور في فلك البيت واختلاق المشاكل ليل نهار حتى لا يجد متنفسا لأي مكان آخر يشغله عنها خوفا من زواجه بأخرى.
ونفس الأمر نجده لدى المدير والمسؤول الفاسد الذي يترك موظفيه يقعون في الخطأ مرة ومرتين وثلاث دون علمهم حتى إذا جاء اليوم الذي يقفون فيه ضد فساده بدأ بمحاسبتهم قبل أن يحاسبوه، لذلك يضطرون للسكوت وانتظار الخلاص.
وهكذا يصنع الانسان المقهور والمرتهن على مدى سنوات طويلة، مثلما تصنع المجتمعات المتخلفة، وإلى هذا يشير علماء النفس والاجتماع بأن الانسان المقهور أو المجتمع المقهور يمر بثلاثة أنماط من المراحل، تبدأ بمرحلة الرضوخ ثم مرحلة التمرد والثورة مرورا بمرحلة اضطهادية، ولكل مرحلة من هذه المراحل خصائصها التي تميزها والتي سوف أتناول مرآيا هذه المراحل في ثورتنا الحالية في الكتابات القادمة.
*أمين عام تجمع أكاديميون نحو التغيير
ألفت الدبعي
ثقافة الارتهان 1938