عندما تجد متسعاً من الوقت، فتقرأ الكتب التاريخية صغيرها وكبيرها والصحف والمجلات بمختلف المسميات، فستجد أن للشباب العربي المسلم دوراً كبيراً في بناء الدول ورُقِي الحضارات وازدهارها والتاريخ قديماً وحديثاً منذ فجر الإسلام الأول وحتى الآن أكبر شاهد على ذلك. فالذين وقفوا في المعارك والخنادق والغزوات وثبتوا مع الرسول صلى الله وعليه وسلم جنباً إلى جنب هم أساساً من الشباب أمثال أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد بن معاذ وغيرهم من الصحابة والتابعين كانوا شباباً أبطالاً ميامين. فهم من انتصرت بهم الدعوة الإسلامية وانتشر بهم الإسلام شرقاً وغرباً وهم من ناصروا الرسول (صلى الله عليه وسلم) وآزروه، ولذلك فإن الرسول قد أثنى عليهم بقوله: (نصرني الشباب وخذلني الشيوخ)، فالشباب هم من قادوا المعارك والفتوحات الإسلامية منذ الخلافة الراشدة وفي عصري الدولتين الأموية والعباسية وهم من قادوا الثورات ضد الحكم الفردي والأنظمة الدكتاتورية حتى أسقطوها وها هم اليوم يؤدون دورهم البطولي والنضالي ضد الأنظمة المستبدة في الوطن العربي تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا.
فالشاعر أبو القاسم ألشابي كان شاباً وأيضاً التونسي محمد البوعزيزي، كما أن الذين يرفعون الأعلام والرايات ويقودون المسيرات ويتواجدون في الميادين والساحات معظمهم بل والغالبية منهم شباب أما الشيوخ فلا تجد منهم إلا القلة القليلة لأن مرحلة الشباب هي مرحلة القوة بين ضعفين ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، قال تعالى (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) ولأن الشباب هم أمل الأمة حاضرها ومستقبلها - ذكوراً وإناثاً -، فنحن مازلنا نشاهد بالفضائيات وقد شاهدنا أيضا ً الفتيات يقفن إلى جانب إخوانهن الشباب في المسيرات والمعتصمات وكلاهما يتصف بالقوة والشجاعة والعزيمة والهمة العالية وقد استطاع الشباب إسقاط الأنظمة الدكتاتورية المستبدة في الوطن العربي في خريف واحد هو خريف (الربيع العربي)2011م وفي أزمنة متقاربة بثورات سلمية رغم أن الأنظمة المخلوعة والراحلة في تونس ومصر وليبيا واليمن قد استخدمت القوة المفرطة ضد الشباب والشعوب واستُشهِدَ الآلاف وجُرِح عشرات الآلاف من الثائرين والثائرات ولو قال قائل إن الرؤساء التونسي والمصري والليبي قد اختلفت الشعوب فيما بينها بكيفية رحيلهم فمنهم من فر ومنهم من هو خلف القضبان ومنهم من قتل كالقذافي، لكن الرئيس اليمني لم يكن مصيره كواحد منهم فسيكون الرد أن المذكور هو احد المنظومة الاستبدادية إلا أن خروجه من السلطة وإن كان بموجب المبادرة الخليجية المؤيدة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2014) لسنة 2011م إلا أن خروجه من السلطة لم يكن ميسوراً وسهلاً وإنما كان بعد ثورة شبابية سلمية عارمة وعراك شديد بعد قـَتْلٍ وجرحٍ وهدم واعتقال استمر تسعة أشهر ولولا ثبات شباب الثورة في الساحات والاعتصامات والمسيرات رغم الاعتداء عليهم وقتلهم بمختلف أسلحة النظام لما وقع الرئيس على المبادرة أخيراً في الرياض، فالشباب هم من اجبروه على ذلك وإلا فهو من ضحك بسخرية عليهم واستغرب في كلمته التي ألقاها في جامعة صنعاء القريبة من ساحة التغيير حيث احتفل بأنصاره وتحدث قائلا ( هؤلاء الشباب يقولون ارحل من يرحل ؟ يرحلوا هم ) فهل سبق لك أخي القارئ أن سمعت عبر التاريخ أن رئيساً يطلب من شعبه الرحيل ليبقى؟، فالحقيقة انه لم يسبق لبشر ولا زعيم أن طلب من شعبه الرحيل سوى الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وما نسمعه وما نعلم به أن الشعوب هي التي تطلب من رؤسائها الرحيل والتخلي عن السلطة ومحاسبتهم ومحاكمتهم لا العكس ولو أُتِيحَ للرئيس فرصة لمشاهدة لقطة تلفزيونية من خطابه الذي اشرنا إليه آنفا ثم يشاهد لقطة أخرى من مشهد توقيعه على المبادرة الخليجية المتضمنة نقل جميع سلطاته إلى النائب ورحيله عن الحكم نهائياً فماذا سيكون موقفه ؟ وهل سيؤنبه ضميره ؟ وبأي عبارة سيعتذر بها للشعب ؟ ومهما اشتدت المعارك بين الشعوب العربية المظلومة المطالبة برحيل أنظمتها الفاسدة، فإن المعركة تنتهي دائماً بنصر الثورات والشعوب لأن سلطة الشعوب أقوى من سلطة الحكام وما ثار شعب ضد حاكمه إلا وانتصر الشعب وهُزِمَ الحاكم ورحل هذا إذا سامحه شعبه ولم يحاكمه ولما كانت الثورات العربية هي المنتصرة بإذن الله تعالى، فإنه ليس أمام الشباب إلا التماسك والاتحاد فيما بينهم جنباً إلى جنب وأن لا يغادروا ساحاتهم حتى تتحقق جميع مطالبهم ولله در الشاعر وليد الاعظمي الذي وجه عدة نصائح للشباب في أبيات من الشعر قال فيها :
شباب الجيل لي معكم حديث
عليه ينطوي القلب العميد
حذار حذار من كل اختلاف
به البغضاء والشحناء تعود
فصونوا وحدة الآمال فيكم
ولا تفرقوا شيعا تسود
ودرب الصاعدين كما علمتم
به الأشواك تكثروا لا الورود
فلا يستعجل الشباب بالرجوع إلى البيوت والمنازل بمجرد سقوط الرؤساء ورحيلهم ولكن عليهم البقاء حتى تتحقق أهدافهم، فقد استعجل شباب الثورة المصرية بالعودة بعد سقوط النظام وها هم قد عادوا من جديد إلى ميدان التحرير بالقاهرة وغيره بالملايين مطالبين بسرعة إقامة الدولة المدنية الحديثة ومطالبين المجلس العسكري أن لايقف عائقاً أمام أهداف ثورتهم واتهموه بحماية المسئولين الفاسدين من النظام المخلوع وقد سقط العشرات من الشهداء وجُرِح المئات. والشعوب ليست بحاجة إلى ثورات أخرى متممة للأولى ومكملة لها، فستكون التكلفة أكثر والجهد اكبر وإنما عليها وعلى شبابها الأماجد الصبر والتريُّث في الساحات والميادين حتى يتحقق أخر هدف من أهداف ثوراتهم النبيلة لاسيما وبقايا الأنظمة الفاسدة ما زالت موجودة "تبلبل وتدحبش" من وراء الكواليس وتعرقل السير والسرعة في إنجاح بقية أهداف الثورات، فليكن الشباب منهم على حذر لأنهم يملكون وجوهاً متعددة وألواناً مختلفة وقد كشف القرآن الكريم الستار عنهم قال تعالى (إِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ) فهؤلاء يقولون مالا يفعلون ويعملون ماتنكرون غير أن الإرادة الثورية الشبابية أقوى من كل شيء وأقوى من مكر الماكرين وحقد الظلمة والمنافقين والله عزوجل قد زادكم أيها الشباب هدى ومن زاده الله إيماناً وهدى فان مصير أعدائه الردى قال تعالى ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ? إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ) إن هتافاتكم الموحدة في الساحات والميادين بمطالبكم المشروعة تهز عروش الجبابرة والطغاة لأنكم شباب طاهرون وما أروع ماقاله الشاعر عبدالفتاح جمال فيكم :
شباب لم تحطمه الليالي
ولم يُسْلِمْ إلى الخصم العرينا
ولم تشهدهم الأقداح يوما
وقد ملئوا نواديهم مجونا
وما عرفوا الأغاني مائعات
ولكن العلا صيغت لحونا
anomanlawyer1@gmail.com
أحمد محمد نعمان
الشّبابُ العربي صَانعُ المُعجزَات 2512