هي طعنة نجلاء في ظهر الثورة اليمنية، فالاتفاق الذي تم توقيعه أمس الأول في الرياض، أبقى النظام و”أقال” رئيسه “المحروق”، لا شيء تغير، ولا شيء سيتغير، وفقا للمبادرة وآليتها التنفيذية التي جرى التوقيع عليه من قبل حزب حاكم، وأحزاب معارضة، طالما غزلت بذات “النول”، حتى أن بعضها استحق بأن يكتب في نهاية في اسمه “لصحابه، حزب المؤتمر الشعبي الحاكم”.
الرئيس سيفوّض صلاحياته لنائبه، وهذا الأخير سيشكل حكومة “وحدة وطنية” انتقالية، تشرف على تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة وتوافقية، خلال تسعين يوماً، يظل خلالها الرئيس المُضرّج بدماء مئات اليمنيين، رئيساً شرفياً لبلاده (ولا أدري أين الشرف فيما فعل)، وسيصبح عبدربه منصور هادي، رئيساً انتقاليا لمدة عامين، فهذا هو معنى أن تكون الانتخابات المبكرة “توافقية”، أما الرئيس “المحروق” وأنجاله وأشقائه وصحبه غير الكرام، من كبار المسؤولين الفاسدين والجنرالات المسؤولين عن قصف تعز وصنعاء وعدن بالأسلحة الثقيلة، فسيكونون قد حصلوا على الحصانات والضمانات التي تمكنهم من الإفلات من العقاب، وليس ثمة ما يمنع بقاء العشرات منهم في مواقعهم، وربما مكافأتهم وتجديد الثقة بهم، هذه هي عناوين الصفقة التي أفلت بها النظام، برعاية عربية ودولية مقيتة وناضحة بالانتهازية وازدواجية المعايير.
طار علي عبدالله صالح، وبقي النظام، نظام الفساد والاستبداد، طار الرئيس وبقيت تركته الثقيلة المتمثلة أساساً في ترك البلاد ساحة مستباحة لكل أشكال التدخل والعربدة، الخارجية، طار الرئيس وظل اليمن أسير حسابات جوار عربي نافذ، نجح في اختراق اليمن من الرأس حتى أخمص القدمين، طار الرئيس وبقي اليمين غير السعيد، يرسف في ثياب تعاسته واستباحته.
وسيخرج علينا خلال الأيام القادمة، المزيد من تصريحات التأييد والثناء، وسنرى الكثير من الأقلام التي تتغنى بحنكة الرجل ومكره وخبثه ودهائه، سيقال في وصف “الراقص على رؤوس الأفاعي” ما سيقال، وقد قيل في الساعة الفائتة الكثير من “قصائد المديح والإعجاب والثناء” هذه، وستُعقد المقارنات بين رئيس خرج “بكرامته” وآخرين ماتوا شنقاً أو على خازوق، يقبعون في المنفى أو خلف القضبان، لكن ما لم يتطرق له أحد، أن “داهية اليمن” كان “كريماً” و”متسامحا” في تبديد سيادة البلاد ونهب مقدراتها وتقديم رؤوس أبنائها على أطباق من فضة ونحاس، لكل طامع ومتدخل، لكل صاحب مصلحة في اليمن، وهل في اليمن من المصالح ما يتعدى حسابات “الحرب عن الإرهاب”، وهل قصّر الرجل في توفير مواطئ أقدام لكل أجهزة الاستخبارات في العالم، ولطائراتها متعددة الطرز والأشكال والأحجام؟!، بئس الدهاء والحنكة، إن كان ثمنهما ترك اليمن خراباً صفصفاً “تنعق” فيه كل طيور الخراب والظلام.
سيطوي اليمن صور الرئيس خلال أشهر ثلاث، أكثر قليلا أو أقل قليلا، لكن شبح الرئيس سيظل جاثما فوق رؤوس اليمنيين وصدورهم وضمائرهم، وسيرى اليمنيون روح علي عبدالله صالح، في شخص نائبه وقادة أجهزته الأمنية والعسكرية وفي بقايا نظامه الذي لم يمس ولن يمس بموجب المبادرة والبروتوكول، سيظل اليمن محكوماً بعلي عبدالله صالح، من دون علي عبدالله صالح.
إن الرهان معقود اليوم على شبان وصبايا ساحة التغيير، هؤلاء تنبهوا مبكراً لما يحاك لثورتهم من محاولات اختطاف وتجيير وتفريغ وتنفيس، لقد رفضوا المبادرة في صيغتيها الأولى والأخيرة، لقد جددوا العزم بالأمس على مواصلة الثورة التي يُراد لها أن تكون “ثورة مغدورة”، لقد أعلنوا المضي في نضالهم حتى إسقاط النظام، لا الرئيس وحده، لقد أكدوا إصرارهم على إنفاذ مبدأ “عدم الإفلات من العقاب”، هؤلاء هم أمل اليمن في التغيير والأصلاح الحقيقيين، هؤلاء هم هدف “المؤامرة” على اليمن، وهم وحدهم، خيل الرهان على إسقاط تلك المؤامرة، وقطع الطريق على الأجندات الخبيئة والخبيثة لأطرافها المحليين والعرب والدوليين.
وسيجد شبّان “التغيير” في بعض القوى اليمنية التي ترفض أن تبقى بلادهم تحت عباءة جوار كارهٍ للإصلاح، حليفاً لهم، سيجد هؤلاء الشبان في أجيال شبابية من نشطاء الأحزاب والقبائل والمجتمع المدني، مشاريع حلفاء، فاللقاء المشترك وأحزاب المعارضة البالية والمتهرّئة، لم تكن أصلاً في صدارة الثورة وصفوفها الأمامية، والمأمول أن يبرهن هؤلاء الشباب على أن توقيع ما يسمى “اللقاء المشترك” على المبادرة والبروتوكول، لا يساوي الحبر الذي “مُهر” فيه.
الدستور الأردنية