الرياض عاصمة المملكة وبرعاية الأب العربي الأكبر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، شهدت احتفال توقيع المبادرة الخليجية بين الحكومة اليمنية والمعارضة، وهذا النجاح يسجل للدبلوماسية الهادئة والرصينة التي قادت هذه الدول، لجعل العقل ينتصر على لغة التشرذم والموت والتطاحن بين القوى..
هي بداية لعمل طويل عماده الثقة بين الأطراف، لأن النشوة الراهنة لا تغيّب المسؤولية الأهم، إذ إن القيادات الوطنية والشعب، وكل القوى المختلفة تحتاج إلى فتح آفاق التفاهم في إطار شامل للوحدة الوطنية، والاقتصادية، والتوجه نحو بناء يمنٍ جديد، يستفيد من مراحله السابقة، وعزل أي تدخل خارجي يزعزع الأمن أو يباعد بين المنظومة الأساسية للتركيبة الاجتماعية..
لنرَ كيف اتجهت الثورات العربية، وكيف تفجرت الأزمات المتلاحقة التي أثرت في حياة الفرد والمجتمع نتيجة الفواصل الحادة بين الرغبات والمطالب، وبين التنفيذ للعملية الانتقالية، وباستثناء تونس التي حتى الآن تمر بمرحلة انتقال سلس فإن البقية تعيش حالة ضبابية، واليمن لديه القدرة، برجاله وشعبه، على تخطي الواقع الحرج، فقد جرب اليمن النظام الملكي، والشيوعي، والحزبي، وخاض الحروب المختلفة، وهو الآن على عتبة تحولات جذرية، أي أن السعي للديمقراطية باشتراطاتها المختلفة، لا يتحقق في إطار وجود أمن مضطرب، ثم إن اليمن يحتاج إلى بنية أساسية واستيعاب البطالة، ودعوة الاستثمارات العربية والخارجية، وهذه لا تعمل أو تأتي إلا في وجود بيئة آمنة مستقرة، لا طاردة..
فالأمن الوطني مطلوب وله الأولوية القصوى، لأن مشاهد الأشهر الماضية التي مزقت البلد لعدة اتجاهات مع وضد النظام، وتسببت في خسائر هائلة، لايمكن تجاوزها بحسن النوايا أو التفاؤل المطلق، بل بمراعاة كل الظروف الداخلية والخارجية، وصحيحٌ أن الجدل سيثور على بنود الاتفاقية، ومن يرى أنها لا تتفق مع التضحيات التي دفعها المواطنون، أو أنها الحل المرحلي، وكذلك من يعتقد أو يرى بأنها خير من واقع معقدٍ وصعبٍ خلقَ الفوضى والدمار..
في كل الأحوال لقد جاء الاتفاق بعد مخاض طويل، لكنه فاصل في المستقبل اليمني وتظل الفرص متاحة في إدراك أن أمانة الوطن بيد قادته وشعبه ويبقى المستقبل والتخطيط له رهن الإرادة السياسية الفاعلة، إذ يكفي ما دفعه المواطن من الجنسين من معاناة ليسترد عافيته وحقوقه التي ناضل من أجلها..
الدول الخليجية مثلما وقفت مع اليمن في واقعه المستجد، سوف تكون الداعم الأساسي لمسيرته، لأن الرابط التاريخي، والحوار والحاجة الأمنية للجميع، هي من يترجم العمل المشترك، وتبقى المسؤولية في إدارة الواجبات الوطنية مناطة بكل اليمنيين بتعاون السلطة مع الشعب، وهو امتحان صعب لايمكن تبسيطه أو رؤيته بخلاف واقعه، وما ينشأ عنه في قابل الأيام..
نقلاً عن الرياض السعودية