لم أكن أتوقع ـ ومعي كثيرون من أبناء شعبنا اليمني الصابر ـ أن ينتهي كابوس التوقيع على المبادرة الخليجية بهذه السهولة بعد أن طال انتظارنا لهذه اللحظة التاريخية الفارقة في حياة اليمنيين، نعم لم نكن نتوقع هذا في ظل تعنت ومراوغة رئيس أدمن البقاء على كرسي السلطة على مدى ثلاثة عقود أو تزيد.. قضاها في اللعب على أوراق التناقضات وحكم البلد بالأزمات والمكايدات والفتن والفساد والاستبداد.
كانت قضية التوقيع وما رافقها من تقلبات ومماطلات وأعذار ومراوغات هي أقبح ما عرفه العمل السياسي على المستوى الدولي كله، فصارت كابوساً مزعجاً عاشه الشعب اليمني شهوراً متتالية.. صباحاً ومساءً ويؤرقهم ويوقظ مضاجعهم ويسلبهم النوم من جفونهم.. تسعة أشهر أو تزيد عاشها الشعب اليمني بكل قواه الحية الناهضة الساعية للتغيير وحتى الصامتون.. في أرق مستمر.. هل يوقع الرئيس؟! لا لن يوقع الرئيس!! نعم سيوقع الرئيس.. وهكذا صارت "شخطة قلم"، تتحكم في مصير شعب كامل بسبب السياج الإقليمي والدولي الذي فرض على اليمن وجعلها رهينة لهذا التوقيع.. وبعد أن كادت أن تطلع الروح.. جاءت لحظة التوقيع لتنهي مخاض تسعة أشهر من المعاناة والألم والقتل والتدمير السياسي والاقتصادي للبلد من أجلك "يا شخطة قلم".. وانتهى الكابوس.. حين وقع الزعيم"، لكن هل بدأت مرحلة وفاق وطني حقيقي؟! وهل وصلت الأزمة إلى نهاية النفق فعلاً؟!.
الحقيقة إننا نضع أيدينا على قلوبنا مما هو آت.. وإن كنا قد تنفسنا الصعداء باتمام التوقيع، لكننا لم ترَ مؤشرات واضحة لتوافق وطني حقيقي خالٍ من النتوءات والمطبات.. فمازال الحزب الحاكم مشاركاً بالمناصفة في الحكم، ومازالت أيادي الفساد حرة طليقة تسير تحت غطاء سياسي طالما ظل حامياً لها طوال عقود من الزمن، ونخشى أن تعيدنا هذه الشراكة إلى نقطة الصفر.. لأن ما تم كان حلاً سياسياً ولم تكون ثورة.. وكأن الدماء التي سالت والأرواح التي أزهقت من أجل اجتثاث منظمة الفساد من الجذور قد صارت محل مساومة "وكأنك يابوزيد ما غزيت".
قد يكون هذا تشاؤماً تدفعنا إليه تركة الماضي المشؤومة.. ليس من المؤتمر كحزب سياسي ولكن من عصابة المافيا على قمته التي أساءت حتى إلى المؤتمر نفسه.. ويبقى مربط الفرس كما يقال يكمن في صدق النوايا ما بعد التوقيع والتسامي فوق الجراح، وبدء صفحة جديدة خالية من رواسب الماضي.. والارتقاء بأخلاقنا والعمل معاً بإخلاص وطني صادق لبناء يمن جديد خالياً من الفساد والاستبداد يتسع للجميع.. وذلك عزاء لأرواح شهدائنا وجراحنا ولثورة الشباب السلمية.
منصور بلعيدي
نهاية الكابوس 2072