يا لها من عاصفة ثلجية غزيرة!!، أراقبها من نافذتي الوحيدة.. إنها عاصفة غريبة، وكأن الله جمع ثلوج الكون في سماء كندا.. صمت ثقيل.. هدوء بارد..
لا تكاد ترى شيئا إلا جنون الثلوج يضرب هنا وهناك.. بلا رحمة.. ولا شفقه.. فتنحني الأشجار طواعية.. ليس لديها خيار آخر.. ألمح على جذع إحدى الأشجار المستسلمة عصفوراً.. يرتجف.. يرتعد.. خائفاً.. حائراً..
تُرى، ما هي الأقدار التي قذفته إلى هنا؟؟ أين أفراد أسرته؟ وعن ماذا يبحث؟ أشعر أنه يريد المحبة، ولا يراه أحد.. فقد تَجّمدت القلوب اليائسة.. يبحث عن الحنان، وكل النوافذ موصدة في وجهه..
لقد غفت الإنسانية في سبات عميق، أو ربما هو أبدي أيضا ؟ فماذا يفعل ذلك العصفور اليتيم في ديار قد دفنت أحاسيسها في عمق الثلج، وتَجّمدت مشاعرها؟؟ تبرق في عينه دمعة تأبى السقوط لكنها تقول: أنا عصفور المحبة..
من المؤلم حقا أن تعيش مع أقرب الناس إليك، ولا تشعر بمحبتهم.. إنها غربة حقيقية.. البعد عن المحبة، ولا أدري ما هو السبب؟ ربما عدد إخوتي الكثير، والعش متواضع صغير، أو ربما العش مبني على رمال متحركة فتلاشت المحبة هنا وهناك فقررت الرحيل..
أنا عصفور الحرية، ولكن من المؤلم أكثر أن تحيا في حضن وطنك، وأهّلَك، ولا تستطيع أن تفكر أو تعترض.. إنها غربة حقيقية.. خنق حرية الأفكار، واختلافها عن الآخرين.. الكل يسير في صف النعاج، وأنا طائر يحلق عالياً.. جرحوا حريتي بقسوةٍ.. فقررت الرحيل لأنه لا وطن من غير حرية..
من دمعة ذلك العصفور الصامدة، وبين ارتعاشاته الحائرة، أُفسّر معنى الغُربة.. فهي فراغ داخلي.. لا يمتلئ إلا بالمحبة، والحرية، وأنا لا أجد وطناً لي، لا في الشرق، ولا في الغرب.. في سماء الشرق غيوم التخلف تحجب المحبة، والحرية.. فكيف تحلق روحي بدون وطن؟ و كثافة البرودة في الغرب قتلت المحبة، وحجبت النجوم من السماء، وروحي لا تحلق إلا حيث النجوم المضيئة.
كاتبة عربية - كندا
سلوى فرح
غربة الروح 1765