ليت القضية تتعلق بتوقيع الرئيس من عدمه!، كان إمضاء الرئيس على مبادرة الخليج سيكون بمثابة الوصفة السحرية المنقذة لليمن من حالته الحرجة!، الحقيقة لا أفهم سبباً لهذا العنت والرفض سوى أن علي عبدالله صالح لا يريد نقل سلطته إلى نائبة عبدربه منصور أو أياً من قيادات المؤتمر.
لذا فكل جهده منصب في إيجاد البديل الضامن له ولأبنائه وأقربائه ودائرته الضيقة الممسكة بالقرار، وليكن هذا البديل مجلساً عسكرياً على غرار المجلس العسكري المصري في شكله لا مضمونه وغايته، فالمشكلة الجوهرية مكمنها فقدان الثقة بأغلب الرجال المحيطين به، فمن بين قيادات المؤتمر الرفيعة لا توجد شخصية آهلة ووثيقة للرئاسة المؤقتة، المتأمل في الحالة اليمنية سيجدها مراوحة عند نقطة الخلاف المتمثلة بتوقيع الرئيس.
الرئيس في لقائه بقناة (24 فرانس) جدد مسألة تنحيته من السلطة وخلال 90 يوماً أو 60 يوماً، بل وزاد على ذلك أنه قال: من يريد السلطة وبعد 33 سنة في الحكم يعد إنساناً مجنوناً؟ وأضاف: لا نريد قذافي آخر في المنطقة.
لكن وحين التقى الرئيس بقادة الوحدات العسكرية الموالية له قبل يومين فقط من حديثه للقناة الفرنسية كان قد قال: (لن أوقع ولن أكترث لمبعوث الأمم المتحدة جمال بن عمر أو ما هو أكبر من الأمم المتحدة، لقد صمدنا عشرة أشهر وسنصمد عشرة أعوام، فلدينا المال ولدينا السلاح ما يكفي لحرب عشرين سنة، شدوا حيلكم يا رجال وتبقى معنوياتكم عالية).
هكذا إذن القضية، فالرئيس من الناحية السياسية مازال مخاتلاً ومراوغاً كعادته في كسب الوقت الذي ربما قد يمكنه من تفكيك جبهة مناوئيه، ومن الناحية العسكرية، فهو يجهد ذاته وبلاده بصفقات وترتيبات عسكرية من شأنها قلب المعادلة التفاوضية القائمة، فمع كل تأجيل وتسويف وتزويغ سياسي هناك بالمقابل تهيئة وإعداد عسكري.
الرئيس يستخدم المؤتمر كواجهة سياسية ومؤسسية توحي للخارج بأزمة بين السلطة والمعارضة؛ بينما الحقيقة أنه يستغل المؤتمر كشماعة تلقى عليها أخطاؤه وسوءاته، أما فعله وتفكيره، فمنشغل في فكرة القوة العسكرية الضامنة له ولأقربائه البقاء في السلطة ولو استدعى الأمر منه تشكيل مجلس عسكري كواحدة من تجلياته وأفعاله المعتادتين، ففي النهاية لا يمكنه نقل السلطة لا للمؤتمر أو نائبه وإنما إلى رجال عاهدوا الله – وفق إحدى خطبه– وبالطبع يقصد المقربين والموالين له من العسكريين.
خلاصة الكلام، هناك ثمة مشكلة لا يود الإفصاح عنها، فلا الرئيس في موضع قوي سياسياً وعسكرياً وشعبياً يسمح له بإعلان المجلس العسكري كملاذ يستجير به سيناريو بن علي ومبارك والقذافي أو أن المعارضة في موقف أفضل شعبياً وسياسياً وتفاوضياً لوقف العبث والمماطلة والتسويف الحاصل.
الواضح والمعلوم أن الرئيس صالح لا يريد مغادرة الرئاسة بناء على مبادرة أو قرار من مجلس الأمن وإنما يريد ترك الحكم وفق آلية هو من يضعها، إنه لا يريد نقل صلاحياته كاملة لنائبة كما أنه لا يحتمل فكرة هيكلة الجيش والأمن قبل أية انتخابات مزمعة، ولأنه كذلك سيظل يناور، يؤجل، يمكر، يكذب، يقتل، يبطش ووإلخ.
تصوروا الرجل الذي رفض التوقيع على المبادرة قبل ستة أشهر الآن يؤكد قبوله بها، ولكنه مع ذلك يفوض نائبه للتوقيع على الإلية التنفيذية، لا أفهم ما الحائل بين توقيعه للمبادرة وملحقاتها؟ ألم أقل لكم بأن وراء الأكمة ما وراءها؟.
محمد علي محسن
رجال الرئيس المخلصين 2562