صباح خرافي هذا الذي بلا توقيع يجرف معه الكثير من الظنون ويطل فيه المرء على ما لا يريد وقد هده الوعد والترحال وأضناه السفر إلى كثير من المواجع والأمنيات ونتف أوراق زهرة جميلة لم تسلم هي من تخمين المستعجلين فرحاً بقولهم: (يوقع لن يوقع. يوقع لن يوقع. يوقع لن يوقع) وهكذا لفأل حسن أو طالع نكد، نظل على هذه الحال فيما هو يتربع منتشياً حين تبقى الجماهير متعبة انتظاراً.
ولا بأس أن تبقى في كثير من اليابس ولن يظرها انتظار إضافي وصباح آخر مورق تعباً وأمنية يرديها قتلا عند أول ظهور تحاول أن تكون فيه ذات طالع جميل يأخذها إلى ترتيبات وطن قابل للنهوض بمجرد التوقيع، غير ما هو واقع يبقى في كنف الدار الرئاسية المجيدة لا يقبل إلا بالمراوغة وحضور الساخر (عبده الجندي) الناطق الرسمي لما هو غير قابل للتنفيذ، لذلك تبقى حالة التندر على ما فينا ولعبة الأستغماية هي التي نسافر معها ومعنا في هذا السفر المناضل الأبرز (جمال بن عامر) الذي لا يقل عن واحد من شباب الساحات وأكثرهم تعباً وانتظاراً وبذل جهداً عند فخامته ليتلطف على شعبه ويوقع وفي كل حضور يحشد الزعيم وزبانيته السبعين بجماهير غفيرة في ماراتون السباق لمن هو الأكثر نفيراً.
ويدرك مندوب الأمم المتحدة ومندوب الخليج ومن على شاكلتهم وسفراء الدول الشقيقة والصديقة أن ما يتم من مشاهد هي أشبه بمونتاج تلفزيوني لا تقارب الواقع وليست منه وأن شباب الساحات هم الضاهرة الصامدة لزمن غير قصير ومع ذلك لا يلقي الآخرون لهم بالا.وكأن هذا الشعب الشاحب التاعب ملزم بنظام يأتيه بما لا تشتهي النفس حتى في الوعود التي لا تقبل تنفيذاً واحداً أكانت وعود انتخابية أم وعود رحيل ومغادرة فجميعها ليست من السهولة بمكان أن تتم.
والمسألة أننا شعب مسكين في أحلامه وتوجعاته وصبره على الشدائد ولفرط صبره بعث الله لهم جمال بن عمر على غرارهم أكثر صبراً وأكثر احتساباً لما يقوم به، راجياً المثوبة من الله جلّ شأنه ونحن مع كل هذا الذي يأتينا نقنع بالوعد تلو الآخر ونمضي إلى حيث الزهر من جديد كمن يضرب الرمل ويرمي الودع ويقرأ الطالع من فنجان قهوة وفي كل مرة لا تصدق سياسة ولا تحليلات ولا تنجيم ولا توقعات أمام نظام تحولاته لا تخطر على قلب بشر ويعجز عن وصفها الواصفون مهما تداعوا وتعاونوا على انجاز شيء، ونستغرب فعلاً من نظام يقدر على الخروج من الملزم وكأن شيئاً لم يكن فيما العالم يظل يتكهن بشيء ما ولا من مجيب.
هكذا كل صباحات وأماسي اليمنيين لا تقف عند نقطة ارتكاز فلا إنجاز يتم ولا مواعيد تتحقق وما أشبه اليوم بالبارحة اليوم مواعيد توقيع والبارحة مواعيد منجزات في شكل حجر أساس..وإذاً كل عمرنا ونحن نؤسس..متى نبدأ؟ لا نعرف وحتى اليوم نريده يوقع لنؤسس ما نريد دولة مدنية ومازلنا نحاول، وهي محاولات يختلط فيها الشباب في الساحات بجمال بن عمر بالزياني بالسفراء بالناطق الرسمي عبده الجندي بالكتابات والتلفزة لتقدم مسلسلاً مكسيكي بحلقات لا تنتهي وقابلة لـ(هلمجرا) وهكذا نحن من موعد لآخر نشبه المثل الذي يقول:(من مشنقة لمشنقة فرج).
والواقع أننا في مواقف تراجيدية وكوميدية.تأخذني للقول:(أنا أضحك الآن لكنني مرهق بالبكاء)هدنا الترحال والتعسي وبقايا رجاء مصحوب بدعوات الملايين ومازلنا في ابجد هوز وليت أن جمال بن عمر المناضل الجسور والصابر المثابر هذه المرة يفصح عن تعبه ويعلنها صراحة أن لا مجال لغير التوقيع وأن يقدر على شيء عجز معه الكثير من الأصدقاء والأشقاء في الوساطة مع نظام ألف اللعب مع البيضة والحجر زمناً غير قصير حتى أنه جعل شعبه متبلداً فاغراً فاه للزعيم المؤتمن في حالة يرثى لها، وبالمقابل نظام أشد بأساً، يجيد الضرب بالنار واستخدام العنف ويمارس التطرف في القتل ويدين الفعل ذاته ولا حول ولا قوة إلا بالله.
محمد اللوزي
بن عمر الأكثر تعبا وصبراً واحتساباً 1860