يحكى أن نسراَ صغيراَ تربى بين الدجاج وبالتالي كبر دون أن يتعلم الطيران.. ويوماَ رأى نسوراَ تحلق في الأعالي ورأى أنه يشبهها أكثر مما يشبه الدجاج؛ وسأل الدجاج: ألست أشبه النسور أكثر؟ أظنني نسراَ وأقدر على الطيران! لكن الدجاج أقنعته أنه دجاجة؛ فقنع بما قيل له؛ فعاش نسراَ..ومات دجاجة!
قصة رمزية تحكي فيما تحكيه حال اليمن هذا البلد الذي يمتلك إمكانيات التحليق في الفضاء الرحب ولكن نظامه الحاكم يقنعه منذ عشرات السنين أن يعيش بمستوى الدحاج! إذا كان ميناء دبي صار بمواصفات عالمية؛ ففي هذه الإمارة الصغيرة تعمل عشرات الآلاف من الأيدي العاملة وناتجها المحلي ثاني إنتاج في العالم مقارنة بعدد السكان. كانت إمارة دبي قبل 30عاماَ لا تذكر أمام مدينة عدن سواء من حيث الموقع أو المساحة أو الطقس أو الموارد البشرية.. اليوم عدن تعد دجاجة بليدة أمام دبي؛ ذلك النسر المحلق في السماء.
- الغريب أن البعض رغم هذا الواقع الفاقع – دبي وعدن مثالاً فقط - لم يحدد موقفاَ بعد.. ربما لأن 65 بالمائة من الناس ما زالوا أميين؛ بفضل علي عبدالله صالح طبعاَ.
- يقول بعض الصامتين إن أنصار الثورة أيضاَ يمارسون العنف غافلين أن القصف المدفعي والتدمير والعنف لا يطال سوى أحياء الستين والحصبة وصوفان ومواقع تمركز الفرقة الأولى مدرع؛ وأن الدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق هي دماء المتظاهرين سلمياَ أو المعتصمين في الستين ولم نرَ قتيلاَ واحداَ من المحتشدين في السبعين، وكذا فإن أحياء حدة والزبيري وبقية مناطق تمركز بقايا النظام لم يطلها قصف ولا تدمير، وتسير فيها الحياة اليومية بشكل طبيعي.. ألا يعني هذا أن أنصار الثورة حينما يلجؤون للعنف فهو عنف محدود في إطار الدفاع عن النفس حتى لا تتحول اليمن إلى سوريا!
- عموماً أرى أنه تكفي خطابات علي عبد الله صالح وكذبه المتكرر والمتحدثين باسم نظامه لخروج الشعب مطالباً إياه بالرحيل! إنه يعدنا بالتنحي منذ العام 2006, وكم بشر الشعب اليمني خلال الربيع العربي أنه سيوقع على المبادرة وسيتنحى خلال أيام؛ حقاً إنه يكذب أكثر مما يتنقس! وبالتالي من الطبيعي أن يكون أحمد الصوفي هو المستشار الإعلامي له والذي أطلق كذبته التي يستحي منها أخزى الناس عندما ظهر على شاشة الجزيرة مدعياً أنه أحد شباب الثورة السلمية. ورغم تفاخره بكذبته تلك لوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) فما زال إلى اليوم المستشار الإعلامي لعلي صالح.. طبعاً الأمر لا يدعو للدهشة ولا حتى للاستغراب؛ بل الغريب أن هذا النظام الهش ما زال يجد من يصمت عنه أو يحتار في موقفه منه !
- لو افترضنا جدلاَ أن اليمن في صدارة الدول بجودة التعليم وأن القضاء اليمني لا يبيع ويشتري بكل شيء حتى بالدماء وأن مستشفياتنا لا تتاجر بأرواح الناس بتواطؤ رسمي خسيس وأن التأمين الصحي وصل لكل مواطن وأنه قد تم القضاء على الفساد بنسبة 100بالمائة لكان من الطبيعي رغم كل هذا أن يخرج الناس مطالبين النظام بالرحيل؛ لسبب بسيط وهو أنه من العيب في القرن الحادي والعشرين أن يحكم شخص ما شعبه لـ33 عاماً! هذا السبب لو كان وحيداً فإنه كاف؛ فما بالكم والنظام يتعامل مع مواطنيه بعقلية رجال العصابات وإلا فما معنى قصف الأحياء السكنية بتعز والذي أسمعه والله الآن وقت كتابة هذا المقال؟ هل من مبرر أياً كان لدى أي عاقل لأن تقصف دولة ما مواطنيها؟ هؤلاء ليسوا رجال دولة إنهم رجال عصابات.
- المفجع في الأمر والذي سينتبه له الجميع لاحقاً بكل أطيافه السياسية والشعبية هو كيف حكمتنا مثل هذه العقليات كل هذه السنوات! هذا ما يتحسر عليه الآن الشعب الليبي والتونسي والمصري بعد إنجازاتهم الثورية التي حققوها.
- إن زعماء محترمين يقدرون شعوبهم كديغول محرر فرنسا أو جورج واشنطن أبرز رجالات أمريكا وزعمائها على الإطلاق أو منديلا محرر العبيد في جنوب أفريقيا أو حتى بن جوريون مؤسس إسرائيل رغم ما أسدوه لشعوبهم لم يستمر أحدهم أكثر من دورتين انتخابيتين، وبعضهم دورة واحدة فقط؛ لإيمانهم بعظمة شعوبهم؛ أما في أوطاننا العربية فتنشأ حالة توحد بين الديكتاتور والوطن فهو الوطن والوطن هو؛ وطبيعي أن يجد من يؤيده أو يؤلّهه في بعض الأحيان. ألم تعلق صورة علي صالح في إحدى حملاته الدعائية في مدخل مدينة عدن مكتوب تحتها بالخط العريض : «قبلك عدم وبعدك ندم»! كما قال منافق آخر قبله في العراق في حفل عام هناك أمام رأس النظام حينها:
تبارك وجهك القدسي فينا كوجه الله ينضح بالجلال!
والديكتاتور يبتسم.. وجلاوزته يصفقون !
المصدر أونلاين