كم مضى على الصومال في محنته؟ عشرون عاماً أو أكثر قليلاً لم يعد الزمن مهماً في هذه المرحلة من حياة البشر، المهم هو كيف مر هذا الوقت الطويل دون أن تمتد أيدي أشقاء هذا البلد والأعضاء معه في منظمة تسمى الجامعة العربية لانتشاله من العذاب وإنقاذ أهله من الغرق في الفوضى والتمزق والهجرة وكانوا قادرين على ذلك؟ والجواب ب ''نعم'' يبدو صحيحاً، بل أكثر من صحيح فلا شيء يصعب على كل هذه الدول وفيها دول ذات نفوذ سياسي واقتصادي لا ينكر، يؤهلها، لا على إنقاذ الصومال وحده، ومنذ وقت مبكر، وإنما إنقاذ غيره من الأقطار العربية التي لقيت مصير الصومال وما هو أسوأ.
لقد عانى الصومال من الحروب والتمزق وتشرد أبناؤه، وذاق بعضهم مرارة المجاعات، وما هو أقسى وأشد من التشرد والمجاعة، وأعني به فقدان الهوية الجامعة وانفراط عقد الانتماء الوطني الذي كان وراء بقاء الصومال بلداً واحداً وشعباً متجانساً على مدى عشرات القرون، والمؤلم أن مظاهر التشتت والانقسام لم تكن واضحة قبل الاحتلال، وأنها ظلت غير واضحة بعد خروج الاحتلال، وكان من الممكن أن يظل هذا الشعب حريصاً على وحدته وهويته لو أنه وجد الدعم الكافي من أشقائه الذين حرص على الانتماء إليهم وإلى جامعتهم، وكما كان في حاجة إليهم فقد كانوا في حاجة إليه فهو في منطقة جغرافية تحمي ظهر الوطن العربي وتشكل درعاً لأمنه القومي تحت كل الظروف والمستجدات.
هكذا كان الصومال بحاجة إلى أشقائه لإنقاذه، وكانت هناك أقطار عربية أخرى تنتظر الإنقاذ الآتي من هؤلاء الأشقاء الذين تضمهم جميعاً منظمة عربية لا يخفى عليها ما يحيط بكل قطر عربي من أخطار وما يبيّت له من مصير، لكن الأقطار العربية، وذات الثقل المادي والسياسي منها خاصة، تجاهلت واجبها وتراجعت عن أن تمد طوق النجاة في الوقت المناسب، ولم يكن ذلك الطوق المطلوب مادياً، بل أخلاقياً وسياسياً، وأن يأخذ موقف الفرض بقوة الحكمة وما تقتضيه الأخوة القومية والدينية من دعوة المنافسين والمتخاصمين إلى احترام التعايش والمحافظة على وحدة الوطن الواحد من التشقق والتمزق وإسالة الدماء البريئة، والوصول بالجميع إلى نتائج لا يحمدون عقباها.
ومهما قيل عن الأسباب التي أوقعت الصومال وغيره من الأقطار العربية في الهاوية الراهنة، فإنه لا أحد يستطيع أن ينكر دور المتفرجين الذين أغمضوا أعينهم في وقت كان عليهم أن يفتحوها فيه على الآخر، مع الاعتراف بأن أدواراً بالغة الخطورة للقوى الخفية قد ساعدت ومهدت لحدوث ما حدث، فقد كانت تعمل منذ وقت طويل على استغلال الثغرات الداخلية في كل قطر عربي للنفاذ إلى أهدافها التي تحققت في الأيام الأخيرة.
إنهم عرب الفرجة، هكذا يقول عنهم عقلاء العالم الآخر، ومن الواضح أنهم أدمنوا التفرج على بعضهم حتى صارت الفرجة مهنة وطبعاً . وليس بجديد القول إن الشجاعة خانتهم بعد أن خانتهم الصراحة ومواجهة الانحرافات التي أدت ببعض الأقطار إلى ما وصلت إليه، وبدلاً من الصراحة التي كان من شأنها -لو تمت في الوقت المناسب- أن تنقذ هذه الأقطار، وتحميها من الأخطار التي حاقت بها، أقول بدلاً من الصراحة استحلى الأشقاء هنا وهناك موقف “الفرجة” إلى أن حدث ما حدث، وأصبح من الصعب تدارك الأحداث بعد فوات الأوان.
الخليج الإماراتية