لم يأت بعد ولم يكد يظهر وإن كان يلوح في الأفق من بعيد كشعاع خافت خلف ركام السحاب وسحب الأدخنة وموجات وأعاصير الغبار والرياح.. ننتظره ونرقبه، انتظار عقيم شاخ وأشرف على الهلاك بفعل السنين وطول العمر، وتأتيه المبشرات بتجدد حياته واستمرار اسمه، محمولاً بوليد يكاد يخرج إلى الأرض ويدب فيها بنشاط الشباب وقوة الفتوه.
ذلك هو اليمن الجديد الذي ننتظره ومازال يترنح تحت كبت الجهالة والحماقة وجبروت الطغيان، ننتظره كماردٍ يخرج من قمقم حشر فيه عشرات السنين، وكُبّل بقيود الفساد التي أثقلته وهدت قواه واستنزفت طاقاته وبددتها، فأضعفته حتى أصيب بالهزال والسقم.
ننتظر مولد اليمن السعيد، ساطعاً في الدنيا من جديد، فيوم مولده هو عيدنا وفرحنا وسلوانا وغير ذلك، فالأعياد لا تعنينا إلا من جانب إيماني لا نتبرم منها ولا ننكرها, سنكبر الله فيها ونحمده ونشكره على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، ولكننا سنكبر الله على كل ظالم وضال وطاغي وجبار, سنفرح في العيد بقدر الضرورة حتى لا نكون من القانطين وسنبتسم في وجوه أطفالنا ومن نحب وإن كانت القلوب تنزف بلا توقف وتحزن حتى تكاد تتمزق وتئن أنين الثكالى وأمهات الجرحى اللاتي فقدن أبنائهن على درب المسير الطويل والكفاح المستمر في مسيرة البحث عن الخلاص والانعتاق والحرية والعدالة والمساواة.
لن نفرح فرح السذج الذين يرون العيد فرحاً لحظة امتلاكهم أضحية العيد، فيبتسمون في وجهها وكأنهم حققوا طموحهم، أو فرح الأطفال لحظة حصولهم على جديد الثياب، لأن لنا هماً أكبر من ذلك، يؤرقنا على مدى السنين الطوال ويحرق أعصابنا ويسهدنا ويقلقنا ما يقارب العام، نشاطر من في الساحات همومهم وأحزانهم ونعيش معهم الوقت لحظة بلحظة، نتألم لآلامهم ونعيش الأمل وفق آمالهم وإن كنا نعترف أننا دونهم في البذل والتضحية، فإننا نعترف أيضاً أن لهم قصب السبق والمبادرة التي تجعلهم الأفضل دائماً وأبداً.
ولكننا سنكتفي ونقتنع بدرجة أضعف الإيمان بسبب عدم تواجدنا أجساداً وأرواحاً معهم، وطالما أننا ما زلنا نغير المنكر وننكره ونشجبه وندينه بقلوبنا وألسنتنا حيثما تواجدنا وحيثما استطعنا الكلام.
العيد هذا العام يختلف كثيراً عن أعياد سوابق الأعوام، حيث الهّم أكبر من هم الأضحية وهّم توفير الملابس والثياب ومستلزمات العيد التي تشغل الناس كل عام, الهّم اليوم واسع وكبير، يتجاوز الطموح الخاص والهّم الشخصي والعائلي, ويتعداه إلى الهم الوطني وهو الهّم الذي يستحق كل الاهتمام والتفكير ويستحق ما يقدمه أولئك الشرفاء الذين يجودون بدمائهم التي هي أزكى الدماء في سبيل الخروج بالوطن من مأزقه, ولهذا سنظل في العيد ننتظر عيد الأعياد، لأننا على يقين أن ليل الظلام الداجي يعقبه انبلاج الصباح.. وكل عام وأنتم بخير .