الوقت الذي انسحبت فيه بعض الوحدات العسكرية والأمنية من أبين استمات وصمد اللواء "25" ميكا يدافع عن محيطه، رافضاً الأوامر الصادرة من قيادات عسكرية بالانسحاب وصمد صموداً أسطورياً، سيظل محل استلهام ومثلاً يقتدى به ويشار له بالبنان كتجربة عسكرية قتالية للصمود القتالي المشرف، لتستفيد منها المعاهد والأكاديميات العسكرية المتخصصة في برامجها الدراسية كملحمة اجترحها أحد ألوية الجيش اليمني برغم الحصار الذي فرض عليه لأكثر من سبعين يوماً.
ومنذ مطلع يونيو كان الجميع يتطلع من الألوية التي وصلت إلى مشارف وادي دوفس القيام بحلول وعمليات قتالية سريعة وخاطفة بفضل الإمكانيات والوسائل الحربية التي يمتلكها الجيش ولتوفر العوامل الطبيعية والجغرافية تمكنه من تطويق زنجبار بعد أن أصبحت خالية من السكان للقيام بالالتفاف من الشرق أو للإنزال البحري، البري والجوي لفك الحصار عن اللواء "25" ميكا المحاصر، إلا أنها ظلت تراوح مواقعها بسبب أوامر بعض القيادات بعدم التقدم في الوقت الذي استمرت فيه بإدخال بعض القادة إلى أماكن تحت سيطرة الجماعات المسلحة لاستنزاف متعمد للجيش وراح ضحية ذلك التهور والدفع إلى المحرقة خيرة ضباط الجيش من القادة والجنود وأبرزهم العقيد/ فضل دماج – رئيس عمليات لواء 31 مدرع- وعدد كبير من قادة الكتائب وأركانات الألوية ولا يزال يكتنف بعض المواجهات والكمائن التي راحوا فيها الغموض، فيما إذا كان نتيجة غدر أم تهور ودفع غير مدروس إلى المعركة يتطلب إجراء تحقيق فيه.
واستمرت معاناة الناس لقطع الطريق أبين – عدن وبالقدر الذي كان ينظر إليه أنه من أجل صد الهجمات ولمنع تنفيذ عمليات انتحارية في عدن- إلا أنه بالقدر المضاعف زاد من معاناة الناس وألحق بهم الضرر الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والصحي لتغيير مسار الطريق إلى البيضاء ويافع بزيادة "10" يقطعها المسافر من عدن إلى البيضاء إلى جعار أو زنجبار، عما كان يقطعه بساعة من عدن إلى جعار وأصبحت أبين تعيش تحت الحصار يصعب فيه إنقاذ حياة المرضى، وهذا جاء بعد أن تعالت أصوات قبائل أبين ودعوتهم للتصدي للإرهاب عندما اتضح لهم أن كل ما يدور هو مؤامرة على محافظتهم ..
ولإجهاض دعوة القبائل وتقدمها أُصدرت أوامر بقطع الطريق وكان على القبائل فهم محتوى هذه الرسالة من السلطة (عدم الاقتراب من زنجبار ) ثم ضخت لهم السلطة المال لإقامة نقاط عسكرية لإشغالهم وللأسف لم يفهموا وأصروا على التقدم حاملين أكفانهم على أكفهم لهدف نبيل هو تحرير الأرض وتم الغدر بهم في "29" يوليو بوادي حسان في هجوم مضاد لهم من الغرب والتفاف بشري من شرق حسان، مسند بغارات جوية استهدفت مواقعهم بعد إرسال إحداثيات مواقع تمركزهم واستشهد أكثر من "27" من رجال القبائل بينهم قادة عسكريون ومشائخ بواسل من قبيلة آل مارم والمحاثيث والنخعين وآل دوفان وآل مغور وآل الجبل في صورة تعد أبشع مجزرة عرفتها زنجبار في هذا القرن.
ولم تتوقف القبائل وترضخ لأمر الواقع المفروض عليها من النظام وتترك هدفها في تحرير الأرض حتى الوصول إلى زنجبار، بل واصلت إصرارها وبالذات قبيلة النخعين التي سطرت ملحمة بطولية في نقطة العرقوب وتم استهدافهم لأكثر من مرة وكان آخرها بتفجير سيارة مفخخة فيهم في 19 أغسطس وقتل فيها أكثر من عشرة وإصابة 14 من رجال النخعين وخسرت خيرة شبابها وشيوخها البواسل، وكانت بالمثل متزامنة مع اغتيال/ محمد أبوبكر عشال وعبدالله حسين السيد وجمال بدر وبعد أسبوعين اغتيال الشاب/ عبدالحكيم عشال – نجل محمد حسين عشال- في صنعاء.
وبالرغم من هول الفاجعة والحزن الذي خيم على حياة أبناء وما لحق بالقبائل من مأساة وعرقلة تقدمهم، إلا أن تجار الحروب استمروا وتمادوا في استثمارهم للوضع وما تقوم به السلطة من إشغالهم بإقامة نقاط عسكرية وهمية، لها أغراض أخرى تصب لإبعادهم عن الهدف الحقيقي وإدخالهم في دوامة صراعات قبلية قادمة، بعد أن بدأت تندمل جروح الماضي.
يحز في أنفسنا انسياق بعض الشخصيات لاهثة بعد هذه الطرق التي اتخذ تجار الحروب منها وسيلة لجرهم ولجعلهم أسهماً في جرابهم يدمرون بها ما تبقى من بصيص أمل لخلق اصطفاف اجتماعي ولوقف هذا المشروع الذي لمحافظة أبين وأبنائها ولن يصدق البعض أن أحد هؤلاء التُجار أقام نقطة بوادٍ بالقرب من قريته ويدفع لها أكثر من 24 مليون ريال شهرياً في الوقت الذي نجد أبناء أبين الشرفاء في عدن ومنهم مسؤولون وأكاديميون لا يستطيعون دفع إيجارات السكن.
هكذا دأب تجار الحروب في مشروعهم التدميري لأبين، العمل لتحقيق أهدافهم لإثراء وزيادة عقاراتهم من فنادق وأراضي ومضاعفة أرصدتهم أموالهم في البنوك اليمنية والأجنبية وزرع الفتن وإذكاء الصراعات بين القبائل، غير آبهين بمستقبل أبين وأبنائها وما يطال كل مكونات المحافظة البشرية والمادية والطبيعية من دمار بصورة لم نجد تفسيراً لدوافعها، هل أبين تدفع الثمن مقابل الشراكة السياسية المنقوصة مع النظام بعد حرب 94م؟ والتي لم تعد هذه الشراكة بأي فائدة أو نفع على أبين وأبنائها، عدا استفادة أسر لا تتجاوز أصابع كف اليد، محصورين في ثلاث قبائل معروفة.
وبالرغم من كشف هذا المشروع التدميري لهؤلاء التجار، إلا أننا لن نتفاجأ بإطلالتهم مجدداً في ألوان ومسرحيات جديدة بفضل مواصلتنا لصم آذاننا أمام النصائح التي قدمت وتقدم لنا للاحتراس من أنفسنا، لن تدميرنا لا يمكن أن ينجح إلا بمشاركتنا نحن فيه، لعدم استفادتنا من العبر والدروس والتجارب السابقة وإصلاح ذات بيننا والعمل بتلك النصائح التي جاءت على ألسنة الأولين من المجربين أمثال الشاعر الكبير الفقيد/ أحمد سعيد بلعيدي – أحد الغيورين على أبين وأهلها، الذي توفاه الأجل وهو يحثنا على توحيد صفوفنا والاحتراس من الاشتراك في أي مشاريع تدميرية تستهدف لحمتنا- حيث قال في إحدى قصائده:
ذي يلبج الحية بقطبه منها ذي يلبج الحية بقطبتها بصير
إن جاءت تأكل تأُكل إلا عمرها وان جاءت تمشي ما تعود شي تسير
فيجب استخلاص العبر والعمل على إنقاذ الوضع ونبذ هذه المشاريع وإشاعة التآخي ووقف من يسيء إلى أبين ووقف استمرار تُجار الحروب ومشروعهم التدميري لأبين الذين قد يطلون علينا بإعادة إنتاجه في شكل جديد وثوب جديد (إعادة الأعمار والتعويضات وإعادة النازحين) وما أحوجنا اليوم لكل الغيورين على أبين والوقوف بكل صدق وأمانة، ووضع التصورات الضامنة لإعادة تأهيل المحافظة وإصلاح ما دمره تجار الحروب وإنجاح الجهود المتواصلة لمعالجة أوجاع المحافظة وعليه الاستمرار في تلك الجهود كما يقول الشاعر الفقيد/ أحمد سعيد في قصيدة أخرى:
شل الحمولة يا جمل يا دوسري × حتى ولأجارت في الدحقه تجور
إن جاءت حالي ما لباها إلا تجي × وان هي صبر قدنا على الغير صبور