صوّت مجلس الأمن الدولي يوم أمس الأول وبالإجماع على إنهاء عمليات حلف الناتو العسكرية في ليبيا، ورفض طلباً تقدم به المجلس الوطني الانتقالي الليبي بتمديد العمليات لبضعة أشهر أو أكثر، وهو طلب آثار العديد من علامات الدهشة والاستغراب، فالعقيد معمر القذافي أصبح الآن ونجله ووزير دفاعه بين يدي ربه، بعد قتله وسحله والتمثيل بجثته(صحيفة 'الغارديان' البريطانية قالت إنه تعرض لاعتداء جنسي قبل قتله)، ومدينتا سرت وبني وليد آخر معاقله 'تحررتا' وأنصاره إما تعرضوا للتصفية الجسدية أو الاعتقال(هناك سبعة آلاف معتقل في سجون مجهولة دون أي محاكمات.
السؤال الذي يتردد بقوة على ألسنة الكثيرين في الشارع العربي هو حول المهمة الجديدة لحلف الناتو، وما هي الدولة المستهدفة، ومن هو الزعيم العربي الذي سيتعرض للقتل والسحل والتمثيل بجثته، هل هو الرئيس اليمني/ علي عبد الله صالح، أم الرئيس السوري/ بشار الأسد، وماذا عن الديكتاتوريين الآخرين حلفاء أمريكا، هل هم محصنون من أي ثورات داخلية وإصلاحات ديمقراطية؟
من الصعب إعطاء إجابة حاسمة على هذا السؤال، فحلف الناتو لا يمكن أن يتدخل في اليمن لأنه لا يوجد فيها نفط، وقد يعدّ للألف قبل التدخل في سورية لأن 'الفستق الحلبي' الذي تنتجه لا يمكن أن يسدد فواتير الحرب الباهظة التكاليف، مضافاً إلى ذلك أن الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج يقف بالمرصاد لمعارضة أي قرار دولي يمكن أن تسعى الإدارة الأميركية لاستصداره عن مجلس الأمن الدولي تحت عنوان 'حماية المدنيين بكل الطرق والوسائل'
بعض أوساط المعارضة السورية خصصت يوم أمس للتظاهر تحت عنوان 'جمعة مناطق الحظر الجوي'، والبعض الآخر، خاصة من معارضي الداخل، استهجنوا ذلك، وسمعنا عن تيار ثالث يحاول أن يتميز، ويطرح نفسه كبديل ويتمسك بمطالب المعارضة الأولية برفض أي تدخل خارجي..
حلف الناتو اكتسب خبرة عسكرية كبيرة لا تقدر بثمن جراء تدخله في ليبيا لإسقاط نظامها، وتسهيل مهمة قوات المعارضة بقتل رئيسها، من خلال قصف موكبه أثناء محاولته الفرار من سرت، فقد خاض هذه الحرب بعقيدة جديدة، أي الاعتماد بالكامل على القصف الجوي، وعدم إرسال أي قوات أرضية حتى لا يتكبد خسائر بشرية تثير حفيظة الرأي العام في دوله، و إشراك دول عربية في العمليات العسكرية بعد الحصول على ضوء أخضر من الجامعة العربية، حتى لا يكرر خطأه في العراق، ويبدو التدخل كما لو انه استعمار صليبي يستهدف دولة إسلامية، وفوق كل هذا وذاك ضمان الحصول على تعويضات مالية، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة، تغطي جميع النفقات العسكرية، وما هو أكثر منها.
هناك مؤشرات قد تصيب بعض أوساط المعارضة السورية التي تستعجل التدخل العسكري الغربي لمساعدة الشعب على الإطاحة بالنظام الديكتاتوري بخيبة الأمل والإحباط، فالهدف المقبل لهذا التدخل قد يكون إيران 'رأس الأفعى'، حسب التوصيفات الخليجية والأميركية، لأن تدمير إيران أو شلّها ـ من خلال ضربات جوية مكثفة ـ ربما يجعل من القضاء على حلفائها في لبنان (حزب الله) وغزة (حركة حماس) وسورية مسألة تحصيل حاصل.
قليلون هم الذين توقفوا عند قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بسحب جميع القوات الأميركية من العراق، والمعاني الكبيرة التي ينطوي عليها هذا الانسحاب، صحيح أن هذا القرار جاء بعد رفض حكومة نوري المالكي الموالية لإيران عدم الاستجابة لطلب منح الحصانة للجنود الأميركيين من أي ملاحقات قضائية، ولكن الصحيح أيضاً أن هذا ذريعة للتغطية على الأسباب الحقيقية للانسحاب وهي حرمان إيران من قصف هذه القوات، أو أخذ جنود أمريكيين أسرى، في حال قيام الولايات المتحدة، أو إسرائيل، أو الاثنتين معاً، بتوجيه ضربة عسكرية إلى إيران.
أمريكا خسرت العراق كحليف استراتيجي، أو كقاعدة ارتكاز عسكرية في المنطقة، رغم خسارتها ما يفوق تريليون دولار (ألف مليار دولار) وأربعة آلاف جندي أمريكي، وسلّمت هذا البلد لقمة سائغة لإيران وحلفائها، بعد كل هذه الخسائر الضخمة، وربما حان الوقت لمغامرة أو مقامرة انتقامية أخرى، لتصفية الحسابات.
مع اقتراب الحسم في ليبيا عسكرياً، كشفت أمريكا عن وجود مؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، ونسف السفارتين السعودية والإسرائيلية في الأرجنتين (لاحظوا الربط بين البلدين ومواقفهما من إيران)، وتسريع صفقة تبادل الأسرى مع حركة 'حماس' التي رفعت شعبية نتنياهو إلى معدلات قياسية في أوساط الإسرائيليين، وأخيراً صفقة التبادل مع مصر للإفراج عن جاسوس إسرائيلي مقابل "25" سجينا مصرياً، وأخيراً إرسال إسرائيل شحنة مساعدات إنسانية لتركيا للتضامن معها في محنة الزلزال الذي ضرب مناطقها الشرقية
إسرائيل التي ظلت تحرض ضد إيران وتستعجل توجيه ضربة عسكرية لها لتدمير منشآتها النووية، باتت تلوذ بالصمت المطبق منذ ستة أشهر، وبعض محلليها يتحدثون هذه الأيام عن وجود اتفاق بين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك على خطة متكاملة في هذا الصدد، قد تفاجأ بها في أي يوم من الأيام المقبلة، انه قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة.
احد الخبراء القادمين من منطقة الخليج قال في جلسة خاصة وصلنا بعض تفاصيلها، أن هناك استعدادات تجري في الخفاء، عسكرية وإعلامية، استعداداً 'لتحرك ما' ضد إيران، ومحاولة تفجير انتفاضة شعبية فيها تخلط الأوراق وتبرر التدخل أو توفر له غطاء.
توني بلير ـ رئيس وزراء بريطانيا الأسبق والمنظر الأكبر للمحافظين الجدد ـ ليس في أمريكا فقط، بل والعالم الغربي بأسره، قال أمرين مهمين في الأيام الأخيرة، الأول أن التغيير في الوطن العربي يجب أن يكون متحَكماً به وبما يخدم المصالح الغربية، والثاني أن إيران اليوم أخطر من صدام حسين عام 2003،أي عام غزو العراق واحتلاله الربيع العربي مستمر، والمخططات الأميركية الغربية مستمرة أيضاً، لحرفه عن مساره العربي والإسلامي المأمول. والنجاح في ليبيا سيسيل لعاب الكثيرين في الغرب المفلس الذي يخوض منافسة شرسة على الثروات في الوطن العربي مع الصين وروسيا. ونحن هنا نحلل وننبه ونعلق الجرس.!