يحاول الرئيس علي عبدالله صالح العودة مجدداً لواجهة الأحداث عبر العمل السياسي والدبلوماسي التقليدي والقيام بمهامه المتعددة كرئيس مازال يشعر أن بإمكانه البقاء في منصبة، حتى لو كان ذلك الأمر بات في حكم المستحيل، بسبب رفض الثورة وكافة مكوناتها لتلك الفكرة، بالإضافة للإجماع الدولي والأممي المتفق على فكرة توقيعه على المبادرة الخليجية ونقل سلطاته وصلاحياته لنائبه/ عبدربه منصور هادي.
منذ عودته من الرياض، كان صالح على الدوام يؤكد على فكرة عدم تمسكه بالسلطة وعن نيته في مغادرة منصبة، دونما أن يقدم أي دليل عملي على كلامه ونواياه، مستخدماً نائبه للتهرب من قضية توقيعه على المبادرة، والمناورة بفكرة التفويض الذي منحه لنائبه للتوقيع على المبادرة والتفاهم مع الأطراف المحلية والدولية حول الآلية التنفيذية لها، وفي الوقت ذاته كان يضغط على نائبه لعدم توقيع المبادرة من جهة ولعدم نجاحه في إحراز أي تقدم أو تقارب مع الأطراف السياسية في المعارضة، وتمثلت الضغوط في الاتهامات المتكررة عبر صحف ومواقع إخبارية قريبة من المطبخ الأمني الرئاسي بوجود مخطط انقلابي بمشاركة هادي عبر توقيعه على المبادرة وفقاً للتفويض الرئاسي، كما تم إعادة فتح جبهة المواجهات العسكرية في منطقتي صوفان والحصبة واستهداف ساحة التغيير والأحياء المحيطة بها، إضافة لمواقع ومقر الفرقة الأولى مدرع بالقصف الصاروخي والمدفعي المتكرر.
كما استمر صالح في جميع خطاباته ولقاءاته مع قيادات أمنية وعسكرية وحزبية في مهاجمة الساحات والأحزاب السياسية المعارضة واللواء/ علي محسن، ولم تخلو خطاباته من مهاجمة السفراء الغربيين المعتمدين في صنعاء بسبب تصريحاتهم ومقابلاتهم الصحفية التي كانت تدعو صالح للتنحي عن الحكم والتوقيع على المبادرة الخليجية.
وكان النائب دوماً هو من يتلقى العتب واللوم من السفراء الأجانب المحتجة على تصريحات واتهامات صالح، وتكرر الأمر مع الأطراف السياسية والعسكرية المؤيدة للثورة الشبابية والشعبية السلمية، بسبب محاولات صالح المتكررة إفشال وعرقلة مساعي لجنة التهدئة الأمنية والعسكرية التي يترأسها الفريق هادي.
بعد قرار مجلس الأمن رقم (2014) لم يعد صالح يرغب في الظل كثيراً والاكتفاء بإرسال برقيات التهاني لقادة العالم بأعياد ومناسبات بلدانهم الوطنية، دون أن يتلقى حتى ردوداً على برقياته تلك.
كما أن الرجل الذي هو مصاب بهوس الظهور على وسائل الإعلام بشكل مرضي، حتى ولو كان ظهوره العلني سيكون على حساب الصورة العامة له كرئيس دولة، لم يكن تفكيره حين ظهر قبل شهور، أنه سيكون أشبه بشخص وقع ضحية حادث مروري مروع أو ضحية لحريق التهم مركزاً تجارياً ويبحث عن شفقة وتعاطف، وتلك هي حقيقة ظهوره في الصور التلفزيونية التي بثها التلفزيون اليمني في أول ظهور علني له بعد حادث النهدين الذي تعرض له.
لأشهر عديدة رفض سفراء الدول المعتمدة في اليمن مقابلة صالح، كما رفض رؤساء وملوك العالم التعامل معه أو إجراء أي أحاديث أو اتصالات رسمية معه، وكانوا يفضلون التعامل مع نائبه عبدربه منصور، أو مع مستشاره السياسي ونائبه في المؤتمر الشعبي العام الحاكم الدكتور/ عبد الكريم الإرياني، أو وزير الخارجية/ أبوبكر القربي، ويبدو أن صالح لم يكن مقتنعاً بأدائهم وتمكنهم من التعبير بنفس طريقته في إيصال رسائله الخاصة، على الرغم من أن لقاءات أولئك الأشخاص مع السفراء الأجانب لم تخلو من وجود رجال للرئيس ومن دائرته الضيقة لمراقبة وتسجيل تلك اللقاءات، وفي أحيان معينة الاعتراض على سير الحديث فيها، كما حدث في لقاء النائب بممثلي اللقاء المشترك بعد حادث النهدين عندما اعترض سلطان البركاني على مناداة أعضاء المشترك لهادي بالرئيس.
شعور صالح بالقلق والخوف المتزايد من استمراره في عزلة دولية في هذا التوقيت بالذات، جعلاه يعيد التفكير في استراتيجيه القفاز والتعامل عبر بوابة النائب أو أي منافذ أخرى غير مباشرة، حتى ولو كانت عن طريق توجيه رسائل عبر وسائل الإعلام الحكومية التابعة له أو بواسطة التسريبات الصحفية التي بات الجميع يعرف طرقها وأهدافها وحتى مدى صدقيتها.
يمكن تلخيص إستراتيجية صالح الجديدة لمحاولة الخروج من العزلة السياسية والدبلوماسية الخارجية عبر عدة خطوات كانت الأولى تتمثل في عمل بالونة اختبار، عبر البوابة الأميركية بواسطة سفير واشنطن في صنعاء عندما طلب صالح مقابلته للحديث والبحث في نوايا صالح للتنحي والقبول بالمبادرة الخليجية، وقد ابتلع السفير الأميركي الطعم وقابل صالح ولم يحقق أي نتيجة، ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يتعرض فيها السفير الأميركي ذو الخلفية الأمنية العالية والسياسية المتدنية، حيث سبق وأن أوهمه صالح بالتوقيع على المبادرة الخليجية في صيغتها الرابعة والتي ترافقت مع حادثة حصار السفراء الخليجيين والغربيين وأمين عام مجلس التعاون الخليجي في السفارة الإماراتية، وبعدها تم نقلهم بواسطة الطائرات المروحية لقصر الرئاسة لحضور مراسم التوقيع على المبادرة الخليجية، حيث صدم صالح الحاضرين بعدم التوقيع على المبادرة، مكتفياً بتوقيع حزبه عليها.
السفير الأميركي بعد مقابلته لصالح الأسبوع الماضي التي تعد الأولى منذ عودة صالح من رحلته العلاجية في الرياض، قال في تصريحات إعلامية: إن مقابلته لصالح لا تعد مقدمة لعودة التعامل الدبلوماسي معه وأن العالم سيكتفي بالتواصل مع نائب الرئيس بصفته المفوض في موضوع التوقيع على المبادرة الخليجية.
بالتزامن مع دعوة صالح للسفير الأميركي للقائه وجه الأول دعوة مماثلة لامين عام جامعة الدول العربية الدكتور/ نبيل العربي لغرض مناقشة موضوع التوقيع على المبادرة الخليجية، وقد قال العربي: إنه سيلبي الدعوة ويقوم بلقاء صالح لإقناعه بالتنحي والتوقيع على المبادرة الخليجية.
بعد تصريحات سفير واشنطن بخصوص الاكتفاء بالتعامل مع هادي فيما يخص قرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية، ابتكر صالح قصة سفر نائبه للعلاج وإجراء الفحوصات الطبية في الولايات المتحدة الأميركية، كما سمح لمستشاره ونائب رئيس المؤتمر الشعبي العام الدكتور/ الإرياني بالسفر لإحدى الدول الأوربية تحت نفس العذر وهو إجراء الفحوصات الطبية، وهو بذلك يعتقد أنه حقق مكسبين: الأول هو إجبار العالم الخارجي على قبول التواصل المباشر معه، نظراً لغياب المسؤولين الأساسيين (هادي والإرياني) عن الجانب الحكومي والحزبي في موضوع الحوار والتحاور السياسي مع الأطراف المحلية والدولية حول قضية تنفيذ قرار مجلس الأمن والمبادرة الخليجية، واللذين هما مسؤولان أيضاً عن ملف الحوار مع أحزاب اللقاء المشترك وحلفائها.
ولم ينتظر صالح كثيراً، فبعد أقل من "24" ساعة على سفر نائبه قام بتوجيه دعوة للمعارضة لإجراء حوار مباشر معه، ما لم فإنه سيقوم باتخاذ خطوات لم يحددها من جانب واحد بدون التفاهم مع المعارضة حولها، لم تكن المعارضة في حقيقة الأمر هي المعنية أو المقصودة بهذه الخطوة التصعيدية والمفاجئة من قبل صالح، بل كان سفراء الدول المعتمدين في صنعاء ومن ورائهم دولهم والمنظمات الدولية المعنية بملف اليمن، حيث يتوقع صالح أن يقود إعلانه هذا السفراء والمسؤولين الخليجيين والغربيين للاتصال المباشر به للاستفسار عن فحوى تهديداته، وبهذا يكون قد نجح في كسر حالة العزلة السياسية التي يعيشها، وأنهى فترة التعامل الإقليمي والدولي مع نائبه بسبب التفويض الرئاسي الذي منحه له في وقت سابق، ويبدو أنه استنفذ مبرراته بالنسبة لصالح على الأقل.
الهدف الثاني: وراء إبعاد هادي والإرياني عن المشهد السياسي اليمني المؤقت ربما، هو التلاعب وكسب الوقت في مواجهة قرار مجلس الأمن وفترة الشهر التي منحت لتقديم تقرير عن مدى التزام صالح ونظامه بتطبيق بنود القرار والتي على رأسها توقيع المبادرة ونقل السلطة للنائب، وبالتالي سيتنصل صالح عن الموضوع برمته، متحججاً بالتفويض الذي منحه لهادي، وأن غياب هادي بسبب العارض الصحي هو السبب في عدم تنفيذ قرار مجلس الأمن.
قد يلجأ صالح في غياب هادي والارياني للحصول على قرار من المؤتمر الشعبي يؤيد خيار صالح المفضل في القيام بحرب عسكرية شاملة في مواجهة الفرقة الأولى مدرع بقيادة علي محسن الأحمر وكذلك ضد صادق الأحمر وإخوانه، والقبائل المؤيدة للثورة، وسبق له أن فشل في الحصول على مثل هذا القرار من المؤتمر بسبب معارضة هادي والإرياني، وخيار الحرب أو المواجهات العسكرية الشاملة سبق أن تمت مناقشته أكثر من مرة على مستوى الحزب والقيادات العسكرية، ولدى صالح تقرير أولى يفيد بوقوع أكثر من خمسين ألف قتيل على الأقل خلال الأسبوع الأول فقط من إعلان المواجهات العسكرية في العاصمة صنعاء فقط.
الخيار العسكري لوح به صالح أكثر من مرة وهو يتباهى أنه يمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، أكثر مما يمتلكها خصومة، معتقداً أن ذلك يمنحه أفضلية على الميدان تمكنه من القضاء على مناوئيه، لكن يبدو أنه لم يضع في حساباته الزائفة تلك موضوع الرفض الشعبي والدولي له وانتشار أنصار الثورة السلمية في ساحات غالبية المدن اليمنية، وهم الذين يتمسكوا بشعار وخيار الثورة السلمية، ويواجهوا السلاح وإعمال العنف بسلمية تامة.
وبإلقاء قليل من الضوء على مصدر يقين صالح بنجاح خياره العسكري المستمد من ضخامة حجم إنفاقه العسكري الذي بلغ خلال الفترة 1990 – 2008، حوالي عشرين مليار دولار، وقد وصل هذا الإنفاق إلى 1.22 مليار دولار عام 2008، و1.1 مليار دولار عام 1990. وسُجل أدنى إنفاق في العام 1996، بواقع 614 مليون دولار، وأعلى إنفاق عام 2003، بواقع 1.35 مليار دولار.
بالإضافة لاعتماده على الحرس الجمهوري كقوة موازية في مواجهة وحدات الجيش الأخرى، ويتكون من 23 لواء، موزعة على ألوية مدفعية ودبابات ومدرعات ومشاة ميكانيك، ودفاع جوي وألوية صواريخ، وقوات خاصة، والحرس الخاص والرئاسي، وقوات مكافحة الإرهاب.
يغفل صالح كثيراً أنه سيكون في مواجهة شعب يرفضه، وأن القوى السياسية والعسكرية اليمنية والعالم الخارجي لن يسمحوا له بتدمير البلاد دون أن يحركوا ساكناً، وأنه لن يكون بمنأى عن عواقب اللجوء لهذه الفكرة المدمرة.
Alzorqa11@hotmail.com
أحمد الزرقة
صالح يزيح نائبه ويبدأ في دق طبول الحرب 4083