;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

مقتل الطاغية القذافي: العبرة والدروس 2453

2011-10-23 04:38:17


الطاغية القذافي قيد وانكسر، ليل وانزاح، ومرض وارتحل، ومصيبة وزالت، وبلاء وذهب، وكابوس أزيح عن الصدور، وآفة وامتحت عن الأرض، وقبح تطهر منه الكون، قال الله تعالى: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} (29) سورة الدخان.
إن الفرحة لا تسع ملايين الناس بمقتل القذافي الرجل البغيض، والشخصية المتكبرة، والإنسان المعتوه، وعاشق الكاميرا والميكرفون، والخطابات المتكررة، بمقتله ارتاح العالم من عاهة كبرى في الوجود الإنساني ليس في ليبيا وحدها بل في العالم بأسره، ففي الحديث الصحيح أن العبد الفاجر تستريح منه حتى الدواب والشجر.
أدخل الله بمقتل الطاغية القذافي السرور على أفئدة الناس، فهتفوا في اتصالاتهم ببعضهم بعضاً بهتافات العيد: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده.
لقد أذاقنا الله بمقتل الطاغية القذافي برد اليقين وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" قال ثم قرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (102) سورة هود.
فكان مقتله برداً وسلاماً على الأرواح، وفرجاً ونصراً في القلوب، وهبة ونعمة ومنة من الله على عباده في مشارق الأرض ومغاربها، كم مرة خطب وتوعد، وكم أرعد وأزبد، وصدق الله العظيم: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ} (17) سورة الرعد.
إن الله تعالى أكرم الليبيين ومعهم جميع المسلمين بمقتل هذا الطاغية الأفاك، الذي كان يرى نفسه أكبر من الشعب الليبي العظيم، وهو يصرخ من أنتم؟ كم عرض عليه الناس أن يخرج كريماً ويترك الشعب الليبي في شأنه، لكن أحاطت به خطيئته، كان مهووسا بفكرة الملايين الذين معه، فما أغنت عنه فئته شيئا، ولا جمعه ومكره مثقال ذرة، فأهانه الله على رؤوس الأشهاد، وصدق الله العظيم: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء} (18) سورة الحـج.
إن التباهي بالقوة لا يغني الطغاة الظالمين شيئا، وقديما تباهت عاد بقوتها، قال الله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } (15) سورة فصلت. فاستكبر بما عنده، وتباهى بما معه، وقد كان قبله من هو أشد قوة وآثارا في الأرض، فما كان لهم من الله من واق، قال الله تعالى: {أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ} (21) سورة غافر.
وذلك أن الإعداد والاستعداد والتحدي لم يفد من كان قبله، فقد كانوا أشد منه قوة، وأكثر جمعا، وأغنى مالا، وأعز نفرا، فهلكوا {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} (98) سورة مريم. وخلت منهم بيوتهم، {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (52) سورة النمل. فأخذه الله ومن معه على حين ظن منهم أنهم يملكون كل شيء ويقدرون عليه، قال الله تعالى: {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (24) سورة يونس.
لم يتعظ بمن قبله، وقد رأى كيف أخذهم الله، ولم يعتبر بما فعل الله بمن سبقه من نظرائه من الزعماء الطغاة، فعن يمنه سقط هبل في تونس، وعن شماله سقط هبل آخر في مصر، كان يظن نفسه غيرهم،فهل يكون عظة وموعظة لمن بعده، أم أن ركام الخطيئة في قلوب الظالمين تمنعهم من الهداية، وصدق الله العظيم: {وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} (27) سورة إبراهيم.
لم يغنِ عن الطاغية القذافي شيئا تمترسه بالدبابات والطائرات ومليارات الدولارات، لم يغن عنهم مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال، ولم تمنع عنه مجاميع المرتزقة، ولا الكتائب التي يقودها الأبناء والأقرباء، ولا البطش والتنكيل بالناس، فألقي القبض عليه وهو في حفرة، في ماسورة، كالجرذ المرعوب في حفرة كالجرذ، والحفر خاتمة الطغاة بتعبير رئيس المجلس العسكري. وأخذه الله وصدق الله العظيم: {مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} (2) سورة الحشر.
أيها الثوار في يمننا الحبيب وبلدنا الغالي في الساحات والميادين، أيها المسالمون الأحرار، أيها الكبار بسلميتهم الرائعة، اصبروا، فإن النصر مع الصبر، وتأملوا، كأن ليبيا العظيمة لم تعاني من آلام الميلاد ثمانية أشهر، ولم ترزح تحت الخوف اثنتين وأربعين سنة، ولدت ليبيا الجديدة، رائعة حبيبة، ولدت ليبيا الجديدة عظيمة أبية.
يا آباء الشهداء وأمهاتهم وأبناءهم وزوجاتهم وذويهم لم تذهب دماء الشهداء هدراً، إن الأرواح التي صعدت إلى باريها لأجل حرية ليبيا حققت مرادها، وأنجز الأبطال الثائرون وعدهم لها. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد