تتحدد مواقف سلط الدول على مختلف أنواعها من خلال مصالح الطغم السياسية الحاكمة وانتمائها الاجتماعي وتتبلور هذه المواقف عبر السياسات التكتيكية والإستراتيجية في الزمان والمكان وتؤثر هذه السياسات في وعلى العلاقات السياسية بين السلط السياسية للدول القريبة أو البعيدة جغرافياً وتحاول العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية تدمير القرب والبعد الجغرافي من خلال موازين القوة العسكرية والاقتصادية، فالدول القوية تفرض سياساتها وشروطها على سلط الدول الضعيفة، خاصة تلك السلط السياسية المتسولة ومنها الجمهورية اليمنية.
لقد بلغت الانتفاضة في اليمن عمرها السابع عشر وفي حالتها الثورية بلغت من العمر "223 يوماً" أي "9" أشهر" وأدت إلى انهيار السلطة التنفيذية في حالة الطغمة الحاكمة الفاشستية الشمولية وأدت إلى استقطاب شرائح المجتمعات المعذبة إلى أتون الساحات والمسيرات والفعاليات وأدت إلى اهتمام عالمي واسع النطاق ورفعت من متوسط دخل الطغمة الحاكمة من الضحايا البشرية من شهر 2 يومياً حتى نهاية شهر أغسطس 2011م إلى 13 قتيلاً يومياً خلال نهاية شهر سبتمبر ومنتصف أكتوبر 2011م، وهذه الحصيلة مرشحة للزيادة طالما لجأ الحاكم العسكري إلى استراتيجة "الأرض المحروقة" التي استخدمت في صعدة باستخدام كافة الأسلحة الثقيلة لضرب المدن الكبيرة كتعز وصنعاء وإب وعدن وأبين وتدمير بنيتها التحتية تدميراً شاملاً ومكافأة السكان الذين تحملوا هؤلاء الحكام لخمسة عقود بالإبادة الجماعية وارتكاب مزيد من الجرائم ضد الإنسانية على الرغم أن "الأرض المحروقة" في صعدة منيت بالفشل الذريع وكانت نتائجها سلبية جداً بين القوات المسلحة والأمن والتي نراها الآن تنحاز إلى الانتفاضة الشبابية الشعبية.
ومواقف السلط السياسية على النطاق العالمي تجلى من خلال التصريحات السياسية والبيانات والدعم المالي والعسكرية ودعم القرارات سلبياً وإيجابياً، ففي الإقليم الجغرافي تتجلى مواقف بعض دول الخليج للطغمة الحاكمة بالدعم العسكري والمالي، حيث ضخت تلك الدول بداية الانتفاضة في حالتها الثورية "70" دبابة" عن طريق مينائي عدن والحديدة، ثم في شهر سبتمبر أفرغت باخرة حمولتها في ميناء عدن، إضافة إلى مليارات الدولارات وذهبت دولة خليجية إلى تقديم مزيد من الدعم المالي لشراء الذخيرة الحية والبنادق الآلية الحديثة التي تصطاد اليمنيين في الشوارع والأزقة والمنازل ووفرت هاتان السلطتان غطاءً سياسياً للطغمة في صنعاء للتمادي وارتكاب الكثير من المذابح الدامية وتلك المساعدات النفطية المعلن عنها كانت جزءاً من الدعم الذي مازال مستمراً لأن هذه الدول تشعر بحساسية مفرطة من كلمة "ثورة" فتناصبها العداء كما في موقفها من ثورة "1948م" وثورة "23 يونيو 1952م" وثورة "26 سبتمبر 1962م) ـ رغم تحفظي الشخصي تجاه هذه المفردة ـ وهي مستمرة في نفس المكان العدائي ولذلك استحسنت كلمة "انتفاضة" عوضاً عن كلمة "ثورة" واستخدامها في الأدبيات القادمة عوضاً عن كلمة "ثورة".
وبصدد موقف مجلس التعاون الخليجي، الذي يهيمن عليه سلطة بعض الدول فظهر من خلال "المبادرة الخليجية" التي لم تستقر على مفردات سياسية سافرة وعملية بل كنت عبارة عن غطاء سياسي لسلطة طغمة صنعاء وإرضاء أطراف محلية محسوبة على دول خليجية وحتى هذه المبادرة الزئبقية لم تؤد إلى السلام بل شكلت خلفية للمذابح التي تقترفها كتائب علي صالح وعلى نطاق أوسع فإن مجلس الجامعة العربية ظل صامتاً لأن الدول المسيطرة عليه لا تريد النطق أبداً، بعد أن حشدته ضد الطغمة الفاشية الشمولية الليبية، وعلى مستوى الدول القوية عالمياً فقد عبرت المانيا عن موقف إيجابي مبكر نحو الانتفاضة وأيدت حالة التغيير ونقل السلطة وقادت دبلوماسيتها في مجلس الأمن الدولي نشاطاً أدى إلى صدور البيان الأولى ولحقتها فرنسا التي منحت أحد المجرمين وساماً في التنديد بعمليات القتل والتدمير، أما الصين وروسيا الاتحادية اللتيني لهما مصالح اقتصادية في اليمن فموقفهما مائع يصب في مصلحة الطغمة الحاكمة في صنعاء.
وعند الحديث عن الموقف الأميركي والبريطاني فعلينا الانتباه إلى شروطهما الإمبريالية والمكثفة في استباحة السيادة وانتهاك حرية وحقوق المواطنين المحليين وعدم مساءلة أو محاسبة قواتهما استناداً للقوانين المحلية وكل حاكم يقبل هذه الشروط فإن الدعم سيكون من نصيبه وتاريخ هاتين الدولتين لا يحيد عن هذا المسلك وكل التحركات التي قام بها ممثلو هاتين الإدارتين في صنعاء قدم أنموذجاً للدعم السافر للمجرمين ومحاولة حمايتهم من العدالة جزاء ما اقترفوا وسوف يكون قرار مجلس الأمن القادم مترجماً لهذه المواقف السياسية الضامنة لاستمرار استباحة سيادة الجمهورية اليمنية سواء بتواجد قوات عسكرية وأمنية وشركات أمنية خاصة على أرض اليمن أو باستمرار نشاط الطائرات الأميركية وقصف أهداف على الأرض بحجة مكافحة الإرهاب.
وتأسيساً على المواقف السلبية والايجابية للعالم الخارجي فإن على المنتفضين إدراك أن الفعل الداخلي "لفعلهم" هو الأساس والحاسم لاستكمال الانتفاضة لأن الطغمة الفاشية الشمولية في صنعاء لم يعد بيدها غير رمي الصواريخ والمدفعية من بُعد للتدمير الشامل انتقاماً من شعب صمت دهراً ومن نخبة تخاذلت حتى الركوع.