;
حافظ الشجيفي
حافظ الشجيفي

قراءة سريعة لخيارات الحسم 2437

2011-10-22 21:36:46


أصبحنا نخاف على الثورة وعلى مستقبل تضحيات الشعب ، ومصادر الخوف هذا ومبرراته ودواعيه مختلفة ومتنوعة ومشروعة، فنحن أينما أردنا البصر،وجدنا أمامنا ما يخشى منه على الثورة والمستقبل: المكائد، والمؤامرات، والتناقضات، والأخطاء، والمشاريع الصغيرة وما شاكل. مَنْ ذا الذي يتجاهل أن قوى الثورة المضادة تعيد تنظيم صفوف بقاياها لتعود إلى الغد من النوافذ بعد أن قرر الشعب أن تخرج من الباب، وتنفخ في جمر الغضب الشعبي لإضعاف قوى الثورة؟، مَن ذا الذي يُنكر أن القوى الدولية والإقليمية أيضاً التي أصابها في مقتل سقوط أنظمة عملائها تدخل، اليوم، على خط الأحداث كي تحفظ بقاء من تشاء، وكي تسقط من تشاء راكبة موجة المطالب الديمقراطية والمدنية للشعب؟!
غير أن الخوف الذي كان شريعة حاكمة تفرض على شعوبنا أحكام الذلة والصغار، وتكرس فينا حكم الطغاة والبغاة والغزاة، ما لبث أن ركب نفوس من أطلقوه في مجتمعاتنا وبمفعوله حكمونا، فلقد ارتعدت فرائص من كان الشرر يتطاير من عيونهم حتى بات احتشاد مجموعة من الطلبة في فناء مدرسي أو جامعي يخيفهم فيحسبون له الحساب. وها هم يقفون اليوم مشدوهين أمام مشهد المسيرات وهي تخترق الشوارع والساحات وتواجه الرصاص بالصدور العارية وكأنهم يكتشفون، لأول مرة في حياتهم، أنهم أمام شعب حقيقي لا أمام رعية من رعاع! لم يألفوا أنْ يروا الناس يحتشدون أو يقومون بمسيرات كهذه إلا لاستقبالهم في المواكب الرسمية أو لتجديد مبايعتهم في استفتاءاتهم المدفوعة . ثم إنهم لم يألفوا أن تستمر الحشود لأشهر من دون أن يدب في الناس تعب أو أن يتسرب إلى نفوسهم يأس. ثم ها هم يسمعون الملايين تقول: "الشعب يريد..." فيعجبون كيف أصبح هذا الشعب يريد، ومتى ولدت في نفسه إرادة وهم روضوه طويلاً على أن يقبل، فقط، ما يريدونه هم! ثم ها هو يريد "إسقاط النظام"، يقول ذلك ولا يمزح، يفعله بسخاء من دمه. أليس هذا أكثر ما يخيف؟!
من ذا الذي يستصغر شأن التناقضات المستفحلة بين قوى الثورة على محاور الاشتغال السياسي في الحاضر والمستقبل: الموقف الشعبي من المبادرة الخليجية ، الحسم عن طريق الفعل الثوري ,محاكمة الرئيس ورموز نظامه .أو منحهم الحصانة..دور أحزاب المعارضة في الثورة ؟، ثم من ذا الذي يستهين باحتمال حرف هذه الثورة عن مسارها السلمي وجرها إلى العنف بهذه الوسيلة أو تلك؟!

نعم، ثمة ما يخاف عليه مما يخاف منه في هذه اللحظة الحرجة من اشتباك إرادة التغيير مع نقائضها في الدخل والخارج. واليقظة والحذر لا يكفيان في مثل هذه الحال إن لم تتسلح جماهير التغيير برؤية سياسية رشيدة إلى كل جوانب المرحلة وتناقضاتها وتحدياتها.
الأعداد المرتفعة للقتلى في مواجهات صنعاء بين الشباب الغاضبين وبلاطجة النظام ومسلحيه وقوى الأمن والحرس الجمهوري في الأيام الأخيرة باتت تثير الحيرة في نفس كل مواطن أو مراقب للأحداث، فمن الصعب على أي كان أن يصدق بأن التصعيد الذي حدث في تظاهرات الشباب خلال هذا الأسبوع بالعاصمة على وجه التحديد كان عفوياً وأن لا وجود لأياد داخلية أو خارجية أو كلاهما تريد أن توتر الأوضاع بالتزامن مع انعقاد جلسات مجلس الأمن للنظر في موضوع اليمن .
وبالتوازي مع ذلك ومن قبل ذلك بكثير يقوم الإعلام الذي اخترقه المال الخارجي بشكل فاضح بشيطنة التيارات الحزبية والسياسية وتخويف المواطن من مشاريعها على مستقبله واستقراره، والانتصار للقوى التي تتبنى خيارات الحسم الثوري ورفض المبادرة الخليجية ، والغاية في حقيقتها هي خلق شروط نفسية للصدام الدموي بين مختلف القوى الوطنية وقطع الطريق أمام مجلس الأمن لاتخاذ قرار مساند لمطالب الشعب بتنفيذ المبادرة الخليجية ومن ثمة إفراغ الثورة من مضمونها الأساسي السلمي وحرف مسارها نحو الحرب الأهلية كحل ومخرج للنظام وليس للشعب..
وعلينا، هنا، أن نقول بمنتهى الصراحة والصدق إن من يتناول الأوضاع في اليمن، اليوم، بالتحليل أو الاستشراف، لا بد وان يجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما التفكير في تنفيذ المبادرة الخليجية كتسوية وطنية ممكنة لتحقيق التغيير والإصلاح الديمقراطي المتدرج، على نحو يستجيب لمطالب الشعب وقواه المدنية ويحفظ لليمن وحدتها الجغرافية والجماهيرية ودورها السياسي والإقليمي والدولي ، وإما البدء في فرض حل جذري للحالة القائمة فيه ,ولن يتم بغير المزيد من الدماء كما لن يكسبه أحد في المطاف الأخير حتى لا نقول إن اليمن ستخسر فيه من استقرارها، وربما من وحدتها وسيادتها، لا قدر الله .

يحمل مصطلح التسوية السلمية معنى محاولة التوصل إلى حل وسط بين طرفين أو أكثر حول مطالب معينة لهم وتقريب وجهات النظر بينهم لتحقيقها بالطرق السلمية ، وعادة ما تتم بقبول الأطراف لنتيجة يوقعون عليها، ويلتزمون بتنفيذها، بناء على مبادرة أو اتفاقية محددة تنص على ذلك. وليس شرطاً أن تكون التسوية السلمية "عادلة" ، إذ أنها تعكس في كثير من الأحيان موازين القوى، وحالات الانتصار والهزيمة، والضغوط الداخلية والخارجية. كما أن التسوية السلمية ليست بالضرورة حلاًّ دائماً، ولكنها تكون في أكثر الحالات مخرجاً من مأزق ينذر بكارثة أو أزمة تقود إلى محرقة ...
إن الذين يدافعون أو يتبنون الحل الثوري لإسقاط النظام كثيرون، وللأسف معظمهم عاطفيون أو مغرر بهم . وهؤلاء فريقان: فريق صغير يريده حلاً عسكرياً لتصفية الساحات في البلد، وفريق أكبر يريده إسقاطا للنظام وإنهاء لعهده . يعتقد الأول أن الحل العسكري يرد على مؤامرة خارجية تستهدف البلاد وتَركب موجة المطالب الشعبية لتأخذها إلى إنجاز ما تبتغيه من أهداف . التنازل أمام الشارع والمعارضة، في حسبانه، تنازل أمام من يحرك الأحداث من خارج وتسهيل للمؤامرة . ويعتقد الثاني أن إسقاط النظام هو السبيل الوحيد إلى الخلاص لأن التراجع لم يعد ممكناً، ولأن الضغط الدولي والإقليمي عليه يشتد . النظام لا يريد إصلاحاً، والبقاء تحت سقف الإصلاح انتحار بعد كل تلك التضحيات التي قدمت .
الداعيان بدعوة الحل الثوري، من الطرفين، لا يقترحان على البلاد سوى المصير الغامض والراهن المثقل بالجراحات، إذ ليس في وسع القبضة العسكرية أن تعيد جحافل الشباب إلى بيت الطاعة، وستكلفها المحاولة المستحيلة لذلك أنهاراً من الدماء، ونزفاً سياسياً وأخلاقياً في صورة اليمن عند شعبها والعرب والبشر أجمعين . والخشية أن المزيد من القمع سيولد المزيد من العنف والتطرف، ويترك الأزمة الداخلية مفتوحة في الشارع إلى ما شاء الله . كيف يمكن للدولة والمجتمع أن يعيشا في مناخ هذا المشهد الدموي اليومي الطويل؟ في المقابل، لن تكون “إستراتيجية” إسقاط النظام نزهة سياسية في شوارع صنعاء! وقد جرب حملة هذا الشعار تنفيذ خيارهم خلال كل هذه الفترة، ماذا حصل؟، هل سقط النظام؟هل تبخرت قاعدته الاجتماعية؟ هل فَقد السيطرة على المدن ومراكز الدولة؟، هل فر أركانه من البلد؟ لم يحصل من ذلك شيء . ينبغي قراءة معنى ذلك عند من حملوا الشعار وفرضوا على الحراك في الساحات أن يأخذ وجهة وحيدة، أما التعويل على إسقاطه بالمواجهة أو الرهان بالقوات العسكرية التي انشقت، ففي ذلك منتهى البؤس الثوري، وهو خيار غير ديمقراطي ولا يشرف من يعول عليه أو يسير في دهاليزه الكالحة!
لا بد من حل سياسي ممكن يقع بين مستحيلين أو قل بين إمكانين انتحاريين . والحل هذا مبناه على التنازل المتبادل بين الفريقين السياسيين عن التمسك بالخيارات القصوى . والتنازل المتبادل يفرضه ميزان القوى في المجتمع اليمني اليوم بعد هذه الجولة المديدة من المواجهات التي زادت على الثمانية أشهر من دون حسم، ورسمت معطياتها الحقيقة المزدوجة الآتية: ليس في وسع النظام إنهاء الاعتصامات وبالذات حين تكون سلمية 100% وإخماد مطالب التغيير الديمقراطي، وليس في وسع الاعتصامات وبالذات حين لا تكون سلمية - وبإمكاناتها الذاتية - إسقاط النظام . وفي مثل هذه الحال من توازن القوة، ليس من حل إلا عن طريق الحلول السياسية التي تقود إلى تحقيق تغيير ديمقراطي متدرج بشراكة متوازنة بين النظام والمعارضة أدوات مثل هذه الشراكة معروفة: الحوار الوطني، الشراكة في وضع أسس النظام الديمقراطي البديل، الشراكة في حكم البلاد وفي إعادة توزيع السلطة، وصولا إلى انتخابات ديمقراطية حرة وتعددية، وإلى تبادل سلمي على السلطة . الفرصة مازالت متاحة، والتباطؤ في الإقدام على هذا الخيار سيكون غالي الكلفة والثمن .
يخطئ النظام إن هو أساء قراءة قرار الفيتو الروسي في مجلس الأمن، وركن إلى الظن بأنه يوفر لها حزام أمان، لأن حزام أمانها الوحيد هو ترميم شروخ شرعيته الداخلية المتصدعة بالتجاوب مع مطالب التغيير . وتخطئ المعارضة إن هي انتشت أو راهنت على دعم إقليمي أو دولي لمطالب التغيير الديمقراطي إذا ثبت له أنها كانت سبباً في تعطيل العمل بالخيار السياسي المتمثل في المبادرة الخليجية ،كما يخطئ الشعب أيضاً إذا فكر في تجاوز الشرعية الدولية والمبادرات السياسية والإقليميةً التي يؤيدونها.
إن أقصر طريق كي يجد النظام نفسه بين مطرقة العنف الداخلي وسندان “الحماية الدولية” هو أن يمعن في رفض المبادرة الخليجية، وأن يتجاهل مطالب الشعب السياسية المشروعة، ويتجاهل صوت المعارضة الوطنية الديمقراطية في الداخل، وخاصة بعد أن وفرت لنفسها عنواناً سياسياً. ولعلها الفرصة الأخيرة قبل فوات الأوان على الجميع .

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد