تراني أستعذب الصمت مع غابة من الحنين المشاكس، فانتفض بلسعة الضمير أخيراً، ينتزعني مصيرك والخشية على مستقبلك من وحل السكوت العميق حين أرى عاصفة تثير أمزان الغبار من الساحات إلى حيث يبدو وميض قدومك ورياح الإصرار عاتية تصرر في غابة الحنين إليك والعزيمة على استعادة المجد زلازل لا يرحم من يدعون امتلاكك ولطموحي فيك زخم عنيد يوقضني من سبات الصمت بقوة استفزازية..
منذ صرت مدهشة كالغابة يوحشني مسائك والصباح، ماضيك وحاضرك والمستقبل وأنت التي لا تزال رهيبة بهيبة الرعد شامخة كأنف الكبرياء تزدان مدنك بمآذن تأبى الانكسار تتربعين بثقة العظماء كقبة سليمان النبي، حين يسبح التاريخ بأمجادك.. أستحضر الوقار لعلي أملك الاتزان في الوقوف على بساطك وغابات الحنين كل ما فيها وما يلفها لا يحبذ الرضوخ لقوانين الظلام والتحاور الروحي معك وهدوء التائهين فيك مثلي..
انسابت الألحان ليلة استحضار حبك في انتظارك المقدس وانساقت معها نحوك الأشجان وما كان لأبنائك أن يؤثرون الصمت حد إغراقك بالخذلان.. هنا حيث كانت الأحداث تستفزها.. توحشها الكلمات كلمات تحاكي مشروع تم اغتياله في المهد قبل ان يتفهم طقوس المدنية ومستقبلها المنتظر منذ أحلام طويلة تجالد الضياع.. لحظة مخاض لم تكتمل طقوسها إنها كلمات لا تنجبها الأفكار؛ كأن الشرود ساقها في لحظة يضع الوجوم وجه المشوق كزجاجة نبيذ ملقاة بعشوائية على كف التيه في لحظة ليس فيها للشارد حضور سوى كومة جسد ملقاة بغجرية، مكومة في القعود فيما الروح والقلب والتفكير سفرهم الوجد قسرا نحو استحضار الوجه السعيد منك بجدارة تشبه جرأة الفدائيين، تراهم يمتطون صهوة الفداء يتحاشون التهور الممقوت لأجل عينيك بلقيس..
غني لي أيتها العظيمة من تاريخ آياتك فأني أشعر بالضياع ودوار التقيؤ بما فيني من تراث ماضيك.. رددي: " أنا رتق لا ينفتق، بانسجام تاريخي على فطرة التاريخ كما أراد الإله كان الالتئام.. ذويزن يحيا في كل جيل ما دامت الأوطان تحيا بالشعوب ومادام أبطالك الشباب يفرشون على انتظار قدومك دماءهم والأشلاء.
ردديها.. أيتها الشامخة كأصل فروعه في السماء تسري فيه سرمدية الاخضرار والحياة.. ردديها أغنية لأجيال لم ولن تخذلك، حتى يتردد صدى لحن ماضيك ليتلو علينا حين يأخذنا الخشوع:" ولادة حدث لازال عظيماً منذ الوهلة الأولى معمد بإرادة شعب تذيله بصمات جماهير أجيالك توقيعاً بحلم وطن وبحجم مدائن لا تعرف الانحناء نخيلها، متى ما عشقت الأجيال ترابها وردد النشيد الفداء صاخباً كأنهار أرض كريمة تأبى الانتحار على شفرات التمزق.. يا بلاد الشموخ أتطلع فيك طمعاً في السمو البعيد المنال وهذا التردد يلوح في وجهي بورقة الانهيار، وبدا الترنح يرعش بسذاجة اتزاني، يهددني بالسقوط.. أتخذ من عرشك مصلى أقف على حافة الشموخ أستجدي عبثاً الكبرياء فيخذلني الحاضر الضحية، يعتصرني الحنين، وعويل صرحك يدمر العزيمة ويموت إصراري خوف المكابرة والعناد.. وقبل ضياعي في متاهات التخاذل، دعيني ألتمس من جنباتك الضياء وأبادل الدامر والمعمور فيك نشيد الولاء:
بلقيس يا وجعي ويا وجع المسافات البعيدة..
ياشوقاً تضمخ بالفداء..
ويا حباً يسري بنفسي كلحن في قصيدة..
ياسراً يتوقني كخارطة تفترش السعيدة..
بلقيس في آخر السكرات تشعلنا دماً
وتزرع فينا الحياة بذوراً جديدة..
يوميات نازح
إنزال جوي!!
منصور بلعيدي
في ظل حالة النزوح التي يعيشها أبناء أبين المغلوبين على أمرهم فوجئوا بتناسل المجالس الأهلية ذات الألوان المختلفة وتكاثرها بصورة تبعث على التساؤل.. خاصة أن هذه المجالس لم تضع في الحسبان معاناة النازحين وتتبنى قضاياهم العملية أمام الجهات المختصة ولكنها تحاول استثمار معاناتهم للزج بهم في نشاطات احتجاجية أو سياسية لكي يظهر أصحاب هذه المجالس "إياها" أمام المسؤولين وكأنهم يستطيعون تحريك أبناء أبين وقت الحاجة.. وتلك انتهازية واضحة ما كان لها أن تحدث إن كان أصحاب هذه المجالس لديهم شيء من الإحساس بالمسؤولية وبقايا ضمير..
نقول هذا الكلام وقد علمنا كيف استخدم رئيس أحد هذه المجالس الوهمية "مجلسه" لابتزاز السلطة، ويعجب المرء مما وصل إليه البعض من استهتار بمعاناة الناس وتسخيرها لخدمة أغراضهم الخاصة.. ولا تكمن المشكلة هنا في عملية الاستقطاب السياسي للنازحين وفق فرضية "فن الممكن" فذلك يجوز "مع الكراهة"، خاصة في حالة النازحين، وهناك أحزاب ومكونات سياسية وجهات أمنية لها نصيب في هذه المظلات الجوية التي هبطت على نازحي أبين هذه الأيام.. لكن هذه المشكلة تكمن في أن هذا الإنزال الجوي المكثف للمجالس الأهلية لا يأتي عبر الطرق المتعارف عليها من خلال لجان تحضيرية أولاً، ولكن في "مقيل" يمكن أن يتم تشكيل مجلس أهلي ويعين له رئيساً واليوم الثاني يبدأ نشاطه باسم الناس دون علمهم ناهيك عن رضاهم.. هذه هي الحقيقة بلا رتوش.. لكن هذه الحقيقة لا يقبل بها الكثيرون لأنها تخلع عنهم قناع التخفي وتكشف الحقائق كما هي على علاتها، فتصبح الحقيقة الصادقة كالدواء مر مذاقها، لكن فيها شفاء مثل الدواء تماماً.
فيا أصحاب المجالس الأهلية رفقاً بالنازحين ويكفيهم الذي فيهم من الهموم والمعاناة والأعباء الحياتية فلا تضيفوا عليهم أعباءً إضافية يرحكم الله.
عبد الحافظ الصمدي
لأجل عينيك بلقيس.. 2405