;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

ثورة الشباب: ثورة التغيير الإيجابي 2210

2011-10-13 04:58:24


قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} جاء في تفسير المنار لمحمد رشيد رضا في تأويل هذه الآية: إن لله تعالى في البشر سننا لا تتبدل ولا تتحول، ومنها قوله تعالى : (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، فحالة الأمم في صفات أنفسها - وهي عقائدها ومعارفها وأخلاقها وعاداتها - هي الأصل في تغير ما بها من سيادة أو عبودية وثروة أو فقر، وقوة أو ضعف، وهي التي تمكن الظالم من إهلاكها.
إن شأن الأمم أن الروح الذي أودعه الله جميع شرائعه الإلهية من تصحيح الفكر وتسديد النظرة وتأديب الأهواء وتحديد مطامح الشهوات، والدخول إلى كل أمر من بابه، وطلب كل رغيبة من أسبابها، وحفظ الأمانة، واستشعار الأخوة، والتعاون على البر، والتناصح في الخير والشر، وغير ذلك من أصول الفضائل - ذلك الروح هو مصدر حياة الأمم ومشرق سعادتها في هذه الدنيا قبل الآخرة ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها، ولن يسلب الله عنها نعمته ما دام هذا الروح فيها، حتى إذا فارقها ذهبت السعادة على أثره، وتبعته الراحة إلى مقره، وغير الله عزة القوم بالذلة، وكثرهم بالقل، ونعيمهم بالشقاء، وراحتهم بالعناء، وسلط عليهم فأخذهم بهم وهم في غفلة ساهون {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (16) سورة الإسراء. أمرناهم بالحق ففسقوا عنه إلى الباطل، ثم لا ينفعهم الأنين ولا يجديهم البكاء، ولا يفيدهم ما بقي من صور الأعمال ولا يستجاب منهم الدعاء، ولا يُكشف لما نزل بهم إلا أن يلجأوا إلى ذلك الروح الأكرم فيستنـزلوه من سماء الرحمة برسل الفكر والذكر والصبر والشكر {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (62) سورة الأحزاب.
وما أجل ما قاله العباس بن عبد المطلب في استسقائه : "اللهم إنه لم ينـزل بلاء إلا بذنب ولم يرفع إلا بتوبة" على هذه السنن جرى سلف الأمة، فبينما كان المسلم يرفع روحه بهذه العقائد السامية ويأخذ نفسه بما يتبعها من الأعمال الجلية كان غيره يظن أنه يزلزل الأرض بدعائه، ويشق الفلك ببكائه، وهو ولِع بأهوائه ماض في غلوائه، وما كان يغني عنه ظنه من الحق شيئا.
وقد أرشدنا سبحانه في محكم آياته إلى أن الأمم ما سقطت من عرش عزها، ولا بادت ومحي اسمها من لوح الوجود إلا بعد نكوبها عن تلك السنن التي سنها الله على أساس الحكمة البالغة، إن الله لا يغير ما بقوم من عزة وسلطان ورفاهة وخفض عيش وأمن وراحة، حتى يغير أولئك ما بأنفسهم من نور العقل، وصحة الفكر، وإشراق البصيرة، والاعتبار بأفعال الله في الأمم السابقة، والتدبر في أحوال الذين جاروا عن صراط الله فهلكوا، وحل بهم الدمار، ثم لعدولهم عن سنة العدل، وخروجهم عن طريق البصيرة والحكمة، حادوا عن الاستقامة في الرأي، والصدق في القول، والسلامة في الصدر، والعفة عن الشهوات، والحمية على الحق، والقيام بنصره، والتعاون على حمايته، خذلوا العدل، ولم يجمعوا هممهم على إعلاء كلمته، واتبعوا الأهواء الباطلة، وانكبوا على الشهوات الفانية، وأتوا عظائم المنكرات، خارت عزائمهم، فشحوا ببذل مهجهم في حفظ السنن العادلة، واختاروا الحياة في الباطل على الموت في نصرة الحق، فأخذهم الله بذنوبهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين.
هكذا جعل الله بقاء الأمم ونماءها في التحلي بالفضائل التي أشرنا إليها، وجعل هلاكها ودمارها في التخلي عنها. سنة ثابتة لا تختلف باختلاف الأمم، ولا تتبدل بتبدل الأجيال، كسنته تعالى في الخلق والإيجاد، وتقدير الأرزاق، وتحديد الآجال.
إن علينا أن نرجع إلى قلوبنا، ونمتحن مداركنا، وتسير أخلاقنا، ونلاحظ مسالك سيرنا، لنعلم هل نحن على سيرة الذين سبقونا بالإيمان، هل نحن نقتفي أثر السلف الصالح؟... هذا العدد الوافر، والسواد الأعظم من هذه الملة لا يبذلون في الدفاع عن أوطانهم وأنفسهم شيئاً من فضول أموالهم، يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة، كل واحد منهم يود لو يعيش ألف سنة، وإن كان غذاؤه الذلة، وكساؤه المسكنة، ومسكنه الهوان، تفرقت كلمتنا شرقاً وغرباً، وكاد يتقطع ما بيننا، لا يحن أخ لأخيه، ولا يهم جار بشأن جاره، ولا يرقب أحدنا في الآخر إلاً ولا ذمة، ولا نحترم شعائر ديننا، ولا ندافع عن حوزته، ولا نعززه بما نبذل من أموالنا وأرواحنا حسبما أمرنا.
أيحسب اللابسون لباس المؤمنين أن الله يرضى منهم بما يظهر على الألسنة، ولا يمس سواد القلوب؟ هل يرضى منهم بأن يعبدوه على حرف؟، فإن أصابهم خيراً اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم خسروا الدنيا والآخرة؟ هل ظنوا ألا يبتلي الله ما في صدورهم، ولا يمحص ما في قلوبهم؟ ألا يعلمون أن الله لا يذر المؤمنين على ما هم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب؟، هل نسوا أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة للقيام بنصره، وإعلاء كلمته لا يبخلون في سبيله بمال، ولا يشحون بنفس؟ فهل لمؤمن بعد هذا أن يزعم نفسه مؤمنا، وهو لم يخط خطوة في سبيل الإيمان، لا بماله ولا بروحه؟.
فلينظر كل إلى نفسه، ولا يتبع وساوس الشيطان، وليمتحن كل واحد قلبه قبل أن يأتي يوم لا تنفع فيه خلة ولا شفاعة، وليطابق بين صفاته وبين ما وصف الله به المؤمنين، وما جعله من خصائص الإيمان، فلو فعل كل منا ذلك لرأينا عدل الله فينا واهتدينا. وكل اعتذار في القعود عن نصرة الله فهو آية النفاق، وعلامة البعد عن الله.

ولو قام العلماء الأتقياء وأدوا ما عليهم من النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأحيوا روح القرآن، وذكروا المؤمنين بمعانيه الشريفة واستلفتوهم إلى عهد الله الذي لا يخلف لرأيت الحق يسمو، والباطل يسفل، ولرأيت نوراً يبهر الأبصار، وأعمالاً تحار فيها الأفكار.
أقول: رحمه الله ما كان يخطر بباله أن علماء السوء المتاجرين بالدين (عالم تحت الطلب)، من بائعي الفتوى الجاهزة، في مزاد الظلمة لمن يدفع مسبقاً، سيفتون بقتل شعب اليمن وليس بقتل فرد، بل قتل شعب في ظاهرة لا سابقة لها، هكذا في فتوى الذبح الحلال، ألا ساء ما يزرون، لقد كانت حرائر اليمن أخشى لله منهم، وهن يهتفن في اليمن كلها: هدم الكعبة يا علماء، أهون من سفك الدماء، وصدق الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} (23) سورة الجاثية. نعوذ بالله من الخذلان.
وأخيرا: كنت أسير مع أحد الزملاء الأفاضل من أساتذة الجامعة في مسيرة أمس الثلاثاء فقال لي: كان الناس يتعجبون وهم يدرسون التاريخ، كيف كان آباؤنا الصحابة رضي الله عنهم يتركون مصالحهم الدنيوية ويخرجون لأجل الإسلام يفتحون المشرق والمغرب لإقامة الحق ونشر الدين؟ ويجيب: إن الله تعالى سخرهم لذلك. كما سخر الله تعالى الشباب اليوم للقيام بهذه الثورات، وترك كل منهم عمله في سبيل الله لإقامة العدل ونصرة الحق.
إن كلام هذا الزميل الفاضل حقيقة ماثلة على الأرض، ما الذي يحرك الملايين في اليمن إلا أن الله سبحانه سخرهم لإنزال قضائه عز وجل بالظالمين والقتلة واللصوص، وصدق الله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (52) سورة التوبة.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد