عجب عجاب يذهب اللب ويفقد الصواب. يجعلك تشك في الأقارب وتبتعد عن الأصحاب. ذلك هو حالك وأنت مواطن عربي تعيش في كنف أنظمة استبدادية جمهورية كانت أو ملكية. تحكم منذو خمسينات القرن العشرين الميلادي . لم تحقق للشعوب العربية طموحاتها ولم تعطها حقوقها حتى في ابسط الأشياء التعليم والصحة ولقمة العيش الكريم، هذا فضلا عن أن المواطنة فيها غير متساوية. فهناك مواطن من الدرجة الأولى يحصل على كامل حقوقه وزيادة. وآخرون من الثالثة وحتى الخامسة محرومون من كامل حقوقهم ويعيشون تحت خط الفقر ولا تعتبر هذه الأنظمة نفسها دولا إلا بقنواتها المحلية منها أو الفضائية التي لا هم لها سوى تمجيد الحاكم وأسرته وأولاده وأقاربه.والحديث عن قيامه وقعوده واكله وشربه. فهو رئيس الدولة المفدى والقائد الأعلى والجنرال العسكري ورئيس القضاء الأعلى وهو الذي يجمع بيده كل السلطات. ويوهم الشعب انه ببقائه سيبقى وبرحيله سينتهي ويفنى إلى غير ذلك من الكذب والافتراءات التي يقوم بها الإعلاميون في القنوات العربية ذات الدجل والتضليل التي لم تعد قنوات رسمية تخدم الشعوب العربية والدول على حد سواء وإنما تحولت إلى أبواق تخدم أشخاصاً كالرؤساء وأسرهم وأقاربهم.
ولأنه لا توجد دول مؤسساتية مدنية لدى هذه الأنظمة. فقد لجأت إلى ملئ هذا الفراغ في ظل غياب الشرعية وذلك بوسائل متعددة منها: إثارة مخاوف الناس تجاه التفكير في السلطة وتضخيم المنجزات وبيع الأحلام واستخدام وسائل القمع المباشر وظهور أسر ملكية جديدة في أغلفة جمهورية تقوم بوضع الأقارب في المراكز الإستراتيجية الحساسة وهكذا تقاربت الأنظمة التقدمية مع الملكيات تقاربا شديداً في التوجهات السياسية الداخلية والخارجية في أكثر الممارسات. وانتهى بينهما الخط الفاصل مع العلم أن الأنظمة الملكية ما تزال تعتمد إلى حد ما على شرعية تقليدية تستخلص منها الولاء والطاعة مثل السعودية والمملكة المغربية والأردن بخلاف الأنظمة الجملكية مثل اليمن وليبيا وسوريا فانه لم يبقى لديها شيء يذكر، فالشعوب العربية لم تستفيد من الإعلام الرسمي ولا من الجيش بل أن هذين قد سخرهما الحاكم العربي ليكونا أداة قمع وحرب ضد الشعوب، لاسيما بعد أن ثارت الشعوب وتوحدت القلوب وصار الحاكم مغلوب ومن السلطة مسلوب يعيش أيامه ولياليه في عزلة مكروب.
فلعلك أخي القارئ تلاحظ هذه الأيام الأنظمة الفاسدة تقمع شعوبها بوسيلتين رئيسيتين الإعلام الرسمي الذي يشن حربا ضروسا على الثائرين. ويصفهم بالانقلابين الذين يعملون لأجندة خارجية وتارة بالإرهابيين ومن تنظيم القاعدة وهلم جر من هذه التهم المقيتة المزعومة، هذا فضلا عن استخدام الأنظمة لوسائل القمع المباشرة كالجيش والشرطة كما هو حال نظام الرئيس صالح باليمن الذي وجه إعلامه الرسمي والمقروء والمنطوق ضد الثورة الشبابية السلمية بما في ذلك توجيه القنوات الفضائية الثلاث وهي الفضائية اليمنية وسبأ والإيمان لكن القناة الفضائية المعارضة (سهيل) التي تعمل لمصلحة الثورة والثوار تلقف ما يأفكون وجعلت بقايا النظام وإعلامهم يبكون ويتباكون.
ولا ننسى الشكر والتقدير لأولئك الإعلاميين الذين استقالوا من القنوات الرسمية وانضموا إلى إعلام الثورة وتعرضوا للاعتقالات والمضايقات، ولو عرجنا إلى الإعلام السوري لوجدناه يسير في نفس المنوال. وهكذا كان مسلك إعلام الأنظمة المخلوعة في تونس ومصر وليبيا . لأنهم جميعا يعيشون في ظلال. ومصيرهم آيل إلى الزوال. بقدرة الله الملك المتعال. لان دوام الحال من المحال. قال الشاعر:
هي الأمور كما شاهدتها دولا من سره زمنا ساءته أزمان
أما وسائل القمع المباشرة فهي تعمل سواء بسواء في صنعاء و دمشق قتلا وتنكيلا وإبادة جماعية جعلوها للشعوب الثائرة عقوبة وبلاء. فما يحدث في نهم وأرحب وتعز وجنوب اليمن هو نفسه ما يحدث في درعا ودير الزور وحمص وحلب وحماة السورية وهو لا يختلف عما يحدث في أجزاء من سرت الليبية آخر معاقل القذافي المجهول مصيره . والمثير للاستغراب أن النظامين اليمني والسوري يقتلان شعوبهما تحت مسميات الإرهاب وتنظيم القاعدة والعصابات المسلحة والحقيقة الصادقة هي أن الإرهاب وتنظيم القاعدة والعصابات المسلحة قد ولدت ونشأت وتربت وترعرعت في عروشهم وداخل قصورهم الرئاسية بقصد قمع الشعوب وحماية كراسي الحكم وتوريثها للأبناء والأقارب وكلنا يعلم أن صالح والأسد لم يصلا إلى الكراسي عن طريق الشرعية الدستورية التي يتشدقون بها وإنما عن طريق الانقلابات العسكرية واغتصاب السلطة بالقوة فلو لم يكونوا كذلك لتركوا كراسي الحكم دون عناء وأراحوا شعوبهما ولما احتاجت الشعوب إلى الثورات التي سقط فيها آلاف الشهداء والجرحى بسبب هذه الأنظمة العائلية.
ولله در الشاعر العربي احمد مطر حين قال : أنا لستُ أهجو الحاكمينَ، وإنّما أهجو بذكر الحاكمين هجائي، أمِنَ التأدّبِ أن أقول لقاتلي عُذراً إذا جرحتْ يديكَ دمائي ؟، أأقولُ للكلبِ العقور تأدُّباً: دغدِغْ بنابك يا أخي أشلائي ؟ أأقولُ للقوّاد يا صِدِّيقُ، أو أدعو البغِيَّ بمريمِ العذراءِ ؟، أأقولُ للمأبونِ حينَ ركوعِهِ: "حَرَماً" وأمسحُ ظهرهُ بثنائي ؟ أأقول لِلّصِ الذي يسطو على كينونتي: شكراً على إلغائي ؟ الحاكمونَ همُ الكلابُ، مع اعتذاري إن الكلاب حفيظةٌ لوفاءِ وهمُ اللصوصُ القاتلونَ العاهرونَ وكلُّهم عبدٌ بلا استثناء !
anomanlawyer1@gmail.com
أحمد محمد نعمان
فتنة الفضائيات الرسمية 2388