لطالما ردد (عليَّ وعلى أعدائي يا رب) وهدد بهدم المعبد بمن فيه، ونحن نقول: لسنا أعداءك أيها الأخ الرئيس ولا نريدها عليك أو علينا، فالوطن معبدنا جميعاً، نحافظ عليه في حدقات الأعين ونصلي في رحابه حباً وفرحاً، ولا نحبذ لغة هي أقرب إلى الفاشية، تعبر عن نزوع إلى العنف، ولا تليق بمقام رئيس دولة لـ"33" عاماً، منحه الشعب الثقة ورنت إليه الجماهير بقلوبها وعقولها وهو اليوم يتمنطق لغة الهدم واتخاذ الجماهير نقيضاً له في خانة الأعداء، كأننا هنا أمام رغبة ماحقة، مدمرة لكل ما هو جميل، وبحث عن سبب ما للهدم، ليبقى الوطن الذي يأوي إليه الجميع في حالة ضياع وأقرب إلى حالة (نيرونية) تريد منظر الحرائق في كل مكان، وهي حالات وجدت في التاريخ وتحدث عنها المؤرخون باعتبارها حالات مرضية في حين كان هؤلاء أقرب إلى أن يكونوا عظماء في الانتصارات الكبيرة كما هو حال (نيرون)روما، الذي وصل به الغرور بعد أن اكتملت روما جمالاً ولم تبق إضافة تستحق أن تكون حدثاً كبيراً سوى أن يدمرها فصعد ربوة عالية ليأمر جنده بإحراقها، فيما هو يشرب النخب منتشياً بالمنظر الرهيب وهو يرى الموت والدخان والعويل.
وإذاً لا نريدك أيها الأخ الرئيس أن تكون "شمشون" من هدم المعبد عليه وعلى أعدائه حين وصل إلى حالة إحباط تام ولديه من القوة وفتيل العضلات ما جعل المعبد تتساقط أحجاره على الجميع، ولا نريدك حالة نيرونية فأنت ابن هذا الوطن، منحك لقب البار والوفي وبهكذا معنى لا يليق بك أن تذهب من ذات الحب، تطلق الكراهية ومن البار إلى العاق بشعبه، إن هكذا سلوك يتشكل ليس على الإطلاق سمة يستريح لها الزعيم أو يطمئن لها من لديه إيمان بالإنسان.
ولعلنا نستحضر هنا "33" عاماً كان الشعب يلتف كله حولك ويراك نجماً، فهل يسقط هذا النجم كسفاً؟ بفعل الحالة الشمشونية أو النيرونية وهي تعبير عن مرض نفسي رهيب كما يشخصها المختصين في علم النفس، تتمظهر كمثال لدى (هتلر) الزعيم النازي الذي وصل من القوة والتعالي والطيش إلى إعلان حرب كونية، لينتهي به المطاف إلى إحراق نفسه بعد أن استخذى ل77مليون قتيل وعشرات الملايين جرحى ومعوقين ليرضي غروره.
وإذاً يا فخامة الرئيس جدير بك الإقلاع عن لغة القتل والتدمير، فلقد وصفوك ذات زمن بالأب الرحيم والرجل الإنسان، ولطالما تحدثوا عن فضائلك، وكل هذا لا يمكنك نسفه مرة واحدة في لحظة نزق وتحدٍ وبحث عن وجع وثمة متسع للنقاء والصفاء وللرجوع إلى الذات بضمير قوي وتفضيل حياة مستقرة وهانئة في ربوع الوطن الذي تغنى بك، وهي فرصة لأن يخلو المرء لنفسه، يعيش تاريخه الزاهي خيراً له من دمار شامل وهدم معبد واتخاذ الأحبة أعداء، فذاك ليس سوى نزغ شيطان ونربأ بمثلك أن يقع في كل هذا المسرف وأن يكون إعلامك اللامؤتمن هو سبب الكارثية في وطننا من خلال تمجيده لك بحثاً عن رضاك على قياداته دون الشعب وكانت وما تزال كل رسالته كيف ينال القائمون عليه الحظوة لديك وترضى عنهم، فيما الشعب لا أهمية له، فخلت الرسالة الإعلامية من المصداقية ولم تعبر عن شعب وصارت أنت فقط بما جعلك تصل إلى مرحلة صعبة من التواري عن الجماهير وتطلعاتها ظناً منك أنها تحفل وتتأثر بالأعلام المغالط لك وللجماهير لتصل إلى مستوى التهديد بهدم المعبد على الجميع، ومن ذات اللغة، العنف ولد الرفض ومن رسالة إعلامية منافقة حاقدة، ولد التحدي السلمي وساحات التغيير، واليوم نرى كل الساحات وكل من في المعبد يرتلون نشيد الحرية ويطلقون رغباتهم باتجاه الفرح ويرنون ببصرهم نحو المستقبل، وبمقدورك أنت – في تجرد هوى ولحظة صفاء وإيمان- أن تصنع أروع الإشراقات الوطنية وأن يحدث فعلاً انتقال سلمي للسلطة، يضعك في المستوى الذي لا ينبغي التنازل عنه في تاريخ وطني مشرف، بدلاً من حالة شمشونية أو نيرونية.
لذلك عليك أن تؤمن بخيار الشعب وتنزل عند رغبته، وأن تنجز حدث التغيير بسلام، وأن لا تلقي بالاً لعارض من أوكار المرجفين المنافقين، المتزلفين، من اشتغلوا من أجل نزواتهم ومصالحهم الذاتية واتخذوا من الأزمات مرتعاً لهم، ينهبون المال العام وينافقون قيادتهم السياسية بالمواقف التي لا تصمد حينها أمام دولاب التاريخ حين يتحرك إلى الأمام.
ويا فخامة الرئيس، القطار الذي قلت عنه فات الشعب، يدفعنا إلى القول لك: مازالت ثمة إمكانية لأن يتوقف في أقرب محطة لنصعد إليه جميعاً وننطلق بحب صوب الجديد بشعار "سلمية.. سلمية" ولا نريد أن يفوت أحداً هذا القطار الذي طالما تمنينا أن تكون طريقه خيراً وبركة وليس حرماناً وندماً وهروباً إلى أبعد من طموحات الملايين، أو لنقل إلى حيث الوجع.
ويا رئيسنا نربأ بك أن تحدثنا عن قطار فاتنا ونحن ننتظره بعمر الثورة الخالدة، حتى إذا ما كنا قاب قوسين أو أدنى أن نصل إليه، جعلته ينطلق بسرعة الرصاصة إلينا إما تدهسنا عرباته أو تقتلنا سرعة رصاصته، ومثل هذا القطار ليس لنا أولك، إن الذي نتوق الركوب عليه جميعاً هو قطار الحرية والتغيير والقضاء على الفساد ومن أجل مواطنة متساوية وتخلص من أزمات وحصار لا ينتهي، فلا تجعله يفوت أحداً من أبناء شعبك، وهل تمتلك القدرة أخلاقياً لترانا في التخلف والجهل والمرض قابعين!؟، أتريد لقطار الحياة والحلم أن يفوتنا لنظل بؤساء ومعاناة!؟ وأنت رئيس لـ"33" عاماً، وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!؟ فلما تريد قطاراً يفوتنا ولا نقدر على الصعود إليه!؟.
إن هذا القطار لابد أن يتسع للجميع من بني وطنك ولا يمكنك القبول بمواطن واحد يتخلف عن اللحاق به مهما كان على خلاف أو حتى عداء معك، باعتبارك الرئيس والقائد ولن أكثر من الألقاب، وقد قيل عنك صاحب القلب الكبير وربان السفينة الماهر، وكيف تكون بهذا المستوى إن لم تمتلك الشجاعة الأخلاقية على صياغة الجديد كما يريده أبناء وطنك وتتخلى عن هدم المعبد بالجميع والقطار من أن يفوتنا!؟، فأنت من قاسم شعبه تاريخا فاجعل هذا التاريخ جديراً بتدوينك زعيماً وأنت أقرب إليه من أن يتحول كومة رماد وتاريخ سفك دم حرام، اجعل ما تراه قطاراً قد فاتهم يقبل أن ينطلق بالجميع إلى المستقبل الأفضل وارفض تهريج الغواة من أصحاب المصالح الذاتية، الذين يرون في أزمات الوطن غنيمة لهم ويبعثون رسائل غل وحقد باسمك من إعلامهم حين لا نرى غير المجنزرات والطائرات والراجمات وصورتك تطل منها!! أرأيت أي حقد هم فيه ببغضهم للشعب وزيف حبهم لك!؟ أرأيت كيف يشوهون روحك الإنسانية باستعراضهم للقوة باسمك على بني وطنك!؟
أخي الرئيس في الوقت متسع للفرح وفي الوقت متسع للنقاء وفي الوقت متسع للسلام، فدع المنهارين أخلاقياً ورسالاتهم البغيضة وترجم حبك بخيار الملايين.
محمد اللوزي
إلى الرئيس.. لن يفتنا القطار لنظل بؤساء وأنت حاكماً؟! 1977