سيدي القارئ الكريم إليك هذه القصة الظريفة التي تعد مدخلاً جيداً للموضوع: قالت الزوجة لزوجها: أريد أن تُسمع العالم كله أنك تحبني، أريدك أن تصرخ بكل قوتك، وأن ترفع صوتك بأقصى ما تستطيع، وتهتف قائلاً: أحبك، أحبك.. سمعها باهتمام، واقترب منها جداً، وهمس في أذنها: إني أحبك.. قالت له: لم أطلب منك أن تهمس في أذني، وتسمعني بها، وإنما طلبت أن تسمع العالم كله بها.. رد عليها بثقة عالية: أنت العالم كله بالنسبة لي.
إن عدد سكان العالم ليس ستة مليارات شخص يزيدون قليلاً أو ينقصون قليلاً، ولكن عدد سكان العالم هم بعدد من يحبونك، أولئك هم عالمك أنت، إن عالمك الحقيقي هم من يحبونك أخي القارئ العزيز، فأعطهم اهتمامك، "يغتم والداك لأجلك"، وينتظرانك، وأنت عالمهما كله؛ فاهتم بهما، إن أغنى أغنياء العالم ليس من يملك عشرات المليارات، أو مئات المليارات، ولكن أغنى أغنياء العالم هو من يملك والدين أباً وأماً، يضحكان له، ويضحك لهما، يفرحان به، ويفرح بهما، والداك أهم عالم لك منحك الله إياه، وأنت غني جداً مادمت مهتم بهما، فالمؤكد أنهما مهتمان بك، اجعلهما عالمك، فأنت بالتأكيد عالمهما الأثير والحبيب.
سيدي القارئ الكريم: أجدك تهتم بنشرة الأخبار كأنك وزير خارجية، وفي الوقت نفسه لا تهتم بما تقدمه زوجتك لإسعادك، ولا تلتفت لما تبذله أسرتك لأجل إراحتك، وتعتني بمن يزورك أو تلتقيه وتنسى أن تتقدم بذلك لأبنائك، وبناتك، وعائلتك، لذلك أدعوك أن تستمع معي إلى هذه القصة الجميلة التي قرأتها قبل فترة وجيزة: قال أحدهم رأيت شيخاً طاعناً في السن اقترب عمره من الثمانين، يذهب يومياً لدار رعاية المسنين ليتناول الإفطار مع زوجته، وكان منضبطاً في الوقت الذي يحضر فيه كل يوم، وسألته عن سبب دخول زوجته دار رعاية المسنين، فقال إنها مريضة بداء الزهايمر (ضعف الذاكرة) مما سبب دخولها دار الرعاية.. قال فسألته: هل ستقلق زوجتك لو تأخرت قليلاً عن موعد الإفطار؟ فأجاب إنها لم تعد تعرف من أنا، إنها لا تستطيع التعرف عليَّ منذ خمس سنوات مضت.. قال: فقلت له مندهشاً: ولا زلت تأتي كل يوم لتناول الإفطار معها على الرغم من أنها لا تعرف من أنت؟ ابتسم الرجل، وقال: هي لا تعرف من أنا، ولكنني أعرف من هي.
إن الحب شجرة غالية ومهمة وحساسة تحتاج إلى سقيا، يقول أحدهم ذهبت إلى الطبيب النفسي أشكو إليه أنني لم أعد أحب زوجتي، فبماذا تنصحني؟ قال: فرد عليَّ الطبيب: عليك أن تحبها، فقال الرجل: أقول لك لم أعد أحبها وأنت تأمرني أن أحبها، فقال له الطبيب: قلت لك عليك أن تحبها، أقصد أن تقوم بأفعال الحب، أن تتصل بها خلال اليوم الواحد عدة مرات، وأن تبدي شوقك إليها، وتجهز لها هدية مهما كانت بسيطة حتى لو قطعة بسكويت أو شكولاتة، وأن تعد لها معك مزحة جميلة، وأن تلتفت إلى ما تقوم به لأجلك.. يقول الرجل: بدأت بالتنفيذ لأمر الطبيب، ولكن اكتشفت بعد ذلك أني صرت أشتاق إليها حقاً, صرت أتشوق لسماع صوتها، والحديث معها، صرت أحبها من جديد.
إذن اهتم بمن يحبونك من الآن وضع ما في يدك وهاتف من تحب، وقم بالسؤال عنه، أرسل له رسالة عبر التلفون، أو قم بزيارته، أو بالصلاة في مسجده، إن الجانب المعنوي مهم جداً في حياتنا، بل هو الجانب الحقيقي في إنسانيتنا.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً كان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمر به رجل؛ فقال: يا رسول الله، إني لأحب هذا.. فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أعلمته؟" قال: لا.. قال: "أعلمه".. قال: فلحقه، فقال: إني أحبك في الله.. فقال: أحبك الله الذي أحببتني لأجله.. رواه أبو داود.
جاء في منثور الحكم: لا تقل الدنيا تعطيني ظهرها، تأكد من وضعيتك في الجلوس، فربما أنك أنت من يجلس بالعكس، حين تحب شخصاً قل له: إني أحبك، صحح وضعك في الجلوس، فالحياة تستحق أن تعيشها كما هي، وأن تنتفع بها أقصى ما تستطيع.
إننا كثيراً ما نخطئ ونزف بشرانا بإنجازاتنا إلى العنوان الغلط، تأكد أن من يحبونك هم من يستحقونك، فأعطهم عيونك، تلك أبسط معاني الحياة التي يجب إدراكها، تأمل هذا المشهد المسرحي العابث، جاء رجل إلى رجل يبشره قائلاً: اليوم رزقت مولوداً ذكراً، فرد عليه الرجل الآخر بقول أبي العلاء المعري:
لا تبك ميتاً ولا تفرح بمولود × الميت للدود والمولود للدود
إن اللوم لا ينصب على أبي العلاء في هذا البيت، ولا على الرجل الذي استشهد به، وإنما على الرجل الذي أعطى فرحه لمن لا يهتم به.
جاء في نصائح الأحبة: لا تذهب إلى النوم وقد أغضبت شخصاً تحبه؛ فقد لا تستيقظ في الغد لكي تقول له: آسف.. وقد تستيقظ ولا تجده بجوارك.. إن عليك أن تنظف أخطاءك، وأن تنشر روائح المحبة أن تستحق أن تكون إنساناً سوياً، افعلها.. كلنا نخطئ ولكن علينا أن نصحح من أخطائنا، عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "كل ابن آدم خطاؤون، وخير الخطائين التوابون" رواه الترمذي.
سيدي القارئ الكريم: تجاوز عن الأخطاء "فالحب غفار لا يعرف فؤاد الحقود"، امنحني حق الخطأ، هل تسمع أقول حق الخطأ، فأنا بشر، والخطأ من طبعي وطبيعتي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر، أو قال: غيره" ومعنى: "لا يفرك" لا يبغض.
وأخيــــــراً.. اسمع هذه القصة الجميلة التي أنقلها لك: كان هنالك رجل حكيم جالس بين مجموعة من الناس وألقى نكتة، فضحك الكل كالمجانين، ثم قال النكتة نفسها مرة أخرى فضحك القليل من الناس، ثم أعادها عدة مرات واستمر حتى لم يضحك أحد، فالتفت إليهم قائلاً لهم معلماً ومربياً: إذا كنتم تتوقفون عن الضحك لنفس النكتة إذا أعيدت عليكم، فلماذا تجعلون حياتكم نكداً متصلاً، ودراما حزينة بتكرار ذكر أخطاء الآخرين، ومواقفهم، لماذا نستجلب مسلسل فلان قال، وفلانة قالت، وفلاناً فعل، وفلاناً فعلت، وأنت فعلت.
وختامـــاً.. إن من يحبوننا ينتظروننا، فلا نتأخر عنهم، ومن يحبوننا يهتمون بنا فهيا نهتم بهم، هيا نشكر الله سبحانه الذي تفضل علينا بأناس يعطوننا الحب، فنشكره بحبهم في الخير، ونبادلهم العطاء بالعطاء.
د. محمد عبدالله الحاوري
اهتم بمن يحبك 3148