يقف المواطن العربي حائراً وهو يتابع منظومة الاستبداد العربي تتهاوى عروشها ويتساقط أركانها، فيتساءل لماذا اقتصر الوباء والخزي على الأنظمة العربية وحدها دون غيرها من الأنظمة الغربية والأوربية؟؟ ثم يتساءل أيضا هل يشعر الرؤساء بمرارة هذا السقوط وآلامه مقابل الراحة والملك والنعيم الذي عاشته الأنظمة العربية في حكمها السابق لعقود من الزمن؟؟ ولكي يصل القارئ الكريم إلى الحقيقة التي تزيل اللبس وتروي الظمأ ويجد فيها إجابة شافية على التساؤلات، فعليه أن يفرق بين الأنظمة العربية والأنظمة الغربية والأوربية من حيث الدساتير والديمقراطية وثقافة الأنظمة في تعاملها مع الشعوب فسيجد أن الدساتير العربية تُفصل على مقاس الحاكم العربي وأولاده وعائلته والديمقراطية ما هي إلا شعار يُدَل به لتعمية البصائر ويجدها في وسائل الإعلام فقط أما في الواقع لا وجود لها وما هو موجود هو الرأي والرأي الواحد وليس الرأي الآخر، والويل لمن لم يستجب للنظام أو يصدقه ولكن بعد أن فضحت الأنظمة الاستبدادية فإن الشعوب العربية تقول لها بملئ فيها ما قاله الشاعر الزبيري :
كفى خداعاً فعين الشعب صاحيةٌ والناسُ قد سئموا الرؤيا وقد يئسوا
والحـكـم بالغـصـب رجـعــيٌّ نـقـاومـه حـتـى ولــو لـبـس الحـكـام ما لبـسـوا
والمـوتُ مــن مـدفـعٍ حــرٍ نـقـول لــه مـوتــاً وإن أوهـمـونـا أنـــه عــــرسُ
أما من حيث تعاملها مع الشعوب فحال الشعوب العربية اليوم لا يخفى على أحد، فقد ظلت لعقود من الزمن مُهانة بائسة حقيرة لا صوت يعلو فوق صوت الحاكم الجلاد، ومن خالف ذلك فهو إرهابي ومن الأوغاد ومصيره سجن المخابرات أو الأمن السياسي أو القومي أو محكمة أمن الدولة أو غير ذلك من المسميات، التي اصطنعتها الأنظمة العربية لتبقيها على كراسي الحكم مدى الحياة، وإذا تُوفي أي رئيس تم تعديل الدستور بما يتناسب مع سن ولده وطوله ومقاسه ثم يُورث له مثل بشار الأسد الذي ورث الحكم عن والده، وإذا أرادت الشعوب تغيير الحاكم، فالويل لها من الحاكم نفسه وأتباعه وجيشه وحراسه أما الدساتير الغربية فقد وُجدت لتنظم شؤون الدول مع نفسها ومع الغير وتضمن لمواطنيها حقوقهم المختلفة في الحرية والمساواة والحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك ولا تزيد مدة الرئاسة عندهم ـ وفقاً للدساتير ـ على أربع سنوات، ثم يتحول الرئيس إلى مواطن عادي شأنه شأن غيره من المواطنين الذين كانوا تحت رئاستهم والأمثلة على ذلك عديدة.. رؤساء أميركا السابقين جيمي كارتر وكلينتون وبوش الأب وبوش الابن أما الرؤساء العرب لا تجد أحداً منهم يتخلى عن السلطة بحريته ورضاه أو بناء على طلب شعبه، فلا يتركوها إلا بعد معارك طاحنة مع الشعوب كما هو الحال الآن وتنتهي المعارك إما بهروب الرئيس أو إلقاء القبض عليه مثل الرئيسين التونسي والليبي فالأول فر إلى مدينة جدة بالسعودية والثاني ما زال مصيره مجهولاً والثوار الليبيون يبحثون عنه في القرى والمدن والصحاري أما الرئيس المصري مبارك وأولاده وأركان نظامه فقد قَبض عليهم الشعب المصري وأودعهم السجون وقدمهم إلى المحاكمة، أما الرئيس صالح ما زال متشبثاً بالسلطة ويتناقض في خطاباته وتصريحاته بين إعلانه قبول المبادرة الخليجية ورفضه التوقيع عليها، وعن بشار الأسد حدث عنه ولا حرج، فلن يكون مصيره أقل من سابقيه وبسقوطه سيكتمل المشهد، لاسيما وانه يشرب مع صالح من كأس المرارة التي شربت منه شعوبهما بالقوة، لكن الجزاء من جنس العمل واعمل ما شئت، كما تدين تدان ولو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء والرؤساء اليوم لم يتعضوا ولم يعتبروا فاعتذار الرئيس التونسي من شعبه بقوله لهم (فهمتكو فهمتكو) لم تفده بشيء بعد فوات الأوان، وإذا كان ذلك هو مصير الرؤساء اليوم فهل لذة الحكم ونعيم السلطة والتنكيل بالخصوم السياسيين يساوي ما يتذوقه الرؤساء اليوم من مرارة العزل وما ارتكبوه ضد شعوبهما، فمرارة العزل بمفردها أكبر بكثير من لذة النعيم بالسلطة لما مضى من السنوات كلها. ولله در ابن الوردي حينما قارن بين الأمرين في لاميته الشهيرة، وخلص إلى النتيجة التي ذكرناها أنفاً حيث قال:
لا تساوي لذة الحكم بما ذاقه الشخص إذا الشخص انعزل
فالولايات وإن طابت لمن ذاقها فالسم في ذاك العسل
ولشدة مرارة العزل فإن من يشعر بأنه قد ظُلم من غيره يدعو عليه بالقول (أذاقك الله مرارة العزل) ولعل هذه المرارة مقتصرة على حكام العرب دون غيرهم كونهم يتولون الزعامة على أنها مغنم لا مغرم وتشريف لا تكليف ونهب لممتلكات الشعوب لا لحمياتها والحفاظ عليها، لكن زعماء الغرب ينظرون إلى المسؤولية على العكس من نظرة الزعماء العرب، ولذلك فالبقاء على الكرسي أو التخلي عنه سيان عندهم، وكم نسمع بين الحين والآخر حصول انتخابات رئاسية في أميركا ودول أوربا فتكون النتيجة نجاح مرشح المعارضة الرئاسي على مرشح الحزب الحاكم وتنتقل السلطة دون أي اعتراض أو مقاومة.
وهنا يجب أن ندرك جميعا أن الأنظمة العربية الاستبدادية الظالمة قد شوهت صورة العروبة والإسلام الذي جاء لإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام وجعل التقوى هي ميزان التفاضل بين الرئيس والمرؤوس.. قال تعالى (إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) وقال رسول الله صلى الله وعليه وسلم (ما من أمير عشرة إلا ويؤتى به يوم القيامة ويداه مغلولتان إلى عنقه إما أطلقه عدله أو أوبقه جوره)
أحمد محمد نعمان
الأنظمة العربية بين مرارة السقوط والتشبث بالسلطة 2432