;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

من نماذج الناس في القرآن الكريم 2336

2011-10-02 03:00:15


تتصدى مقالة اليوم للإشارة إلى علم موجود في القرآن الكريم، هو علم النماذج الإنسانية، وقد ذكره الله تعالى في مواضع عدة من القرآن الكريم وبطرق متعددة، سواء بعبارة: {ومن الناس}، أو عن طريق الإخبار والحديث، أو بعبارات الأمثال، والأمثال علم جليل في القرآن الكريم، وقد ذكر عن الشافعي رحمه الله أن في الأمثال أحكام كثيرة.
وجاءت تلك النماذج في معارض كثيرة، بعضها في معرض المدح نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} (207) سورة البقرة، وبعضها في معرض الذم نحو قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ (205) } سورة البقرة، وبعض هذه النماذج سيقت للإغراء بإتباعها والاقتداء بها، حتى قال الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ} (90) سورة الأنعام. وبعضها للتحذير منها، كما قال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} (92) سورة النحل.
وسأقتطف لكم سيدي القارئ الكريم أربعة نماذج ذكرها القرآن الكريم، وسآخذها من زاوية واحدة هي زاوية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو زاوية الموقف من العلم علماً وعملاً، ودعوة إليه، وجهاداً به، وتلقياً له، ولكن فيما يسع المجال، فليس هدف هذه المقالة دراسة الموضوع، وإنما الإشارة إليه.
مثل الكلب:
إن علينا أن نقرأ علم الحيوان؛ لكي ندرك ماذا يعني أن يشبه القرآن الكريم صنف من الناس بصنف من الحيوان بعينه، فلا بد من علم بذلك، وتعقل له، قال الله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} (43) سورة العنكبوت.
لقد ذكر الله عز وجل أن العلماء إذا لم ينتفعوا بالعلم كان وبالاً عليهم، فقال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176)} سورة الأعراف.
قال الزمخشري في الكشاف: هو عالم من علماء بني إسرائيل، وقيل: من الكنعانيين، اسمه بلعم بن باعوراء أوتى علم بعض كتب اللّه، روى أن قومه طلبوا إليه أن يدعو على موسى، ومن معه فأبى، وقال: كيف أدعو على من معه الملائكة، فألحوا عليه، ولم يزالوا به حتى فعل {وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها} لعظمناه، ورفعناه إلى منازل الأبرار من العلماء بتلك الآيات {وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} مال إلى الدنيا، ورغب فيها، وقيل: مال إلى السفالة.
ومن طبع الكلب: اللؤم، والنباح بلا سبب، والاعتداء من غير موجب، والقناعة بالقليل، وأن تضربه ثم ترمي له شيئا تافها فيقبله، فهو لا يعف نفسه من قليل وإن قل.
قال القشيري: قوله جلّ ذكره: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ}. من أخلاق الكلب التعرُّضُ لِمَنْ لم يُخِفْه على جهة الابتداء، ثم الرضاء عنه بلقمة.. كذلك الذي ارتدَّ عن طريق الإرادة يصير ضيق الصدر، سيئ الخُلُق، يبدأ بالجفاء كُلَّ بريءٍ، ثم يهدأ طياشة بِنَيْل كُلِّ عَرَضٍ خسيس، المحجوب عن الحقيقة إمَّا صاحب ضَجَر أو صاحب بَطَر، لا يحمل المحنة إلا زوال الدولة، ولا يقابل النعمة إلا بالنهمة، فهو في الحالين محجوبٌ عن الحقيقة.. ويقال: الكلب نجاسته أصلية، وخساسته كلية، كذلك المردود في الصفة؛ له نقصان القيمة، وحرمان القسمة.
قال الشعرواي: ولماذا يشبهه سبحانه بالكلب اللاهث؟؛ لأن الذي يظهر بهذه الصورة تجده مكروهاً دائماً؛ لأنه متبع لهواه، وتتحكم فيه شهواته.. وحين تتحقق له شهوة الآن، يتساءل هل سيفعل مثلها غداً؟ وتتملك الشهوة كل وقته، لذلك يعيش في كرب مستمر، لأنه يخاف أن يفوته النعيم أو أن يفوت هو النعيم، ويصير حاله كحال الكلب يلهث آمناً أو غير آمن، جائعاً أو غير جائع، عطشان أو غير عطشان.. ومن يريد أن يرفعه الله إلى السماء بالوحي وبالمنهج ثم يهبط إلى الأرض نجد الحق سبحانه وتعالى يمثل حاله بحال الكلب، مع الفارق بين الاثنين؛ لأن الكلب يلهث غريزة.. فهو غير مذموم حين يلهث، لكن الإنسان الذي فطره الله على حب الخير وميز غرائزه بمنهج عقلي يصون حركته ما كان يصح له أن يفعل ذلك.
قال الألوسي في روح المعاني: والمراد أنه يلهث دائما، وكأنه إشارة إلى أن هذا المنسلخ لا يزال يطلق لسانه في أهل الكمال (من أهل العلم العاملين)، سواء زجر عن ذلك، أو لم يزجر.
قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة.
مثل الحمار:
قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5) سورة الجمعة.
ومن صفة الحمار الغباء، والذل، والبلادة، والاستخدام، والانقياد لكل مخلوق، وهو طعام لغيره من الحيوانات، تفترسه جميع السباع، والحمر الأهلية لا ينتفع بلحمها ولا بحليبها، فصفة الحمورية تتحقق فيه، ومثال ذلك مثال من عرف فوائد الدواء، ولكنه لم يستعمله، فهل يغني عنه ذلك من شيء، وهذه الحمورية تأتي في صفات عدة، ومواصفات متعددة، فمنها الذل لكل ذي دنيا سواء كانت ملكا أو صاحب مال أو وجاهة أو مشيخة، وأغلبه عند لقاء ذوي النفوذ، فإنك ترى أحدهم يهز رأسه بالموافقة قبل أن يتكلم المسؤول، وإن لزم الأمر الفتيا أفتى، وهذه الحمورية وصف لازم لكل عالم بالحق غير عامل به.
قال الشعرواي: {كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً...} فهل يُعَدُّ هذا ذَماً للحمار؟ لا، لأن الحمار مهمته الحمل فحسب، إنما يُذَمّ منهم أَنْ يحملوا كتاب الله ولا يعملوا به، فالحمار مهمته أنْ يحمل، وأنت مهمتك أنْ تفقه ما حملت وأنْ تؤديه.
الممسوخين: القردة و الخنازير وعبد الطاغوت:
قال الله تعالى:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} (60) سورة المائدة.
يقول الشعراوي: نجد أن القردة هي الحيوان الوحيد المفضوح العورة دائماً، وإن عورته لها لون مميز عن جسده، وأنه لا يتأدب إلا بالعصا، واليهود كذلك لم يقبلوا المنهج إلا عندما رفع فوقهم جبل الطور، وما هم فيه الآن ليس مسخ خِلْقة، ولكن مسخ خُلُق، والخنازير لا يغارون على أنثاهم، وهذه لازمة موجودة في اليهود، وعبدة الطاغوت، الطاغوت هو كل إنسان تجاوز الحد في البغي والظلم، وعباد الطاغوت هم الطائعون لكل ظالم يعينونه على ظلمه، وهم كذلك.
وفي الحديث الصحيح: عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" (في بعض الروايات دخلتموه).. قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: "فمن".. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليأتينّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك".
وصفة الخنـزير أنه أرذل الحيوان جميعا، فليس عنده كرامة أبداً، وليس لديه غيره أبداً، يرى حيواناً آخر ينكح زوجته أمام ناظره ولا يبالي، ثم هو يأكل القاذورات ولا يقنع منها، ولا يكف من الوقوع فيها.
وصفة القرد التقليد، والخفة، والطيش، والقبح، وأنه مهرج يتخذ للإضحاك، والتسلية، ويتصف بالنهمة يلتقط كل شيء، وأن عورته مكشوفة، ويمشي ولا يسترها، فلا حياء عنده أبداً، وفي الحديث الصحيح: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
يقول صلاح عبد الصبور في إحدى قصائده:
هذا زمن الحق الضائع
لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله
ورؤوس الناس على جثث الحيوانات
ورؤوس الحيوانات على جثث الناس
فتحسس رأسك
فتحسس رأسك!..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد