قال الله تعالى: {مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} (123) سورة النساء، إن هذه الآية المباركة تضع قانونا قرآنيا لا يتبدل لأن كلمات الله لا تتبدل، فمن يعمل سوءا يجز به هنا في الدنيا ويجز به هناك في الآخرة، وقال الله تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (84) سورة القصص، وهم لن يعجزوا الله تعالى، حتى لو كان معهم العالم كله، قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (4) سورة العنكبوت.
إن الله تعالى لم يأذن بأي أذى يصيب المسلم حتى ولو كان عبارة عن كلمات تقال عنه في غيبته، {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} (12) سورة الحجرات، لم يأذن بجرح كرامته في غيابه، فالغيبة ذكرك أخاك بما يكره، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، فقدم اللسان نظرا لخطورة دور الإعلام في التحريض على القتل، والتبرير للجريمة، وطمس الحقائق، وقول الزور والبهتان والإفك والافتراء وقد خاب من افترى، فقدم اللسان على اليد، وغالبا ما تكون اللسان مقدمة في الأذى على اللسان، وقديماً قيل: وجرح اللسان كجرح اليد.
إن الله تعالى يقول: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (45) سورة المائدة، والله تعالى يقول: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (179) سورة البقرة، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق" متفق عليه، فهل سيغير الله أمره ومشئيته النافذة، إرضاء لهذا الطرف أو ذاك.
لا يتصور أحد من النظام وأزلامه وأنصاره أن الله تعالى سيغير سنته القرآنية لأجل فلان أو علان، كلا والله، فالله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (33) سورة الإسراء، فهذا وعد الله بأن ولي الدم له سلطان غالب أعطاه الله إياه، وقوة قاهرة مكنه الله تعالى منها، وأنه منصور بأمر الله، لا يستطيع أحد خذلانه، وإنما هو الإمهال إلى حين، وهذا الإمهال يحدده قول الله عز وجل: {إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ} (135) سورة الأعراف، فهو أجل ينقضي، وإن ظن نفسه أفلت من العقاب، فهو بعين الله، والله تعالى يقول: {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (21) سورة يوسف.
لكن ضعفاء اليقين يستعجلون نقمة الله، قال الله تعالى عنهم: {وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} (8) سورة هود.
وهذا يحدده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" ثم قرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (102) سورة هود، متفق عليه.
قال العلماء: "ليملي" ليمهل. "لم يفلته" لم يخلصه ولم يتركه حتى يستوفي عقابه، ومعنى قوله تعالى: {وكذلك} أي: كما ذكر من إهلاك الأمم وأخذهم بالعذاب، {أخذ ربك} إهلاكه وعذابه، {أخذ القرى} أخذ أهلها.
إننا مؤمنون بصدق ما في القرآن الكريم والسنة المطهرة ولا يزيدنا ذلك إلا يقيناً في أمر الله تعالى، قال الله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (22) سورة الأحزاب.
بقي أن نقول إن هنالك استثناء قرآنياً وحيداً وهو التوبة قبل نزول العقوبة، {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (98) سورة يونس، فتأمل أنه قال كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا، هنا في عالم الأرض، وهو ما حدده النص القرآني الآخر: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (34) سورة المائدة.
ومن لم يتعظ فالقرآن الكريم يوضح ماذا ينتظر فرقاء العمل في الحياة ممن أحسنوا وممن أساؤوا، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ} (52) سورة التوبة
إن الناس لم ينسوا ذنب قابيل الذي قتل أخاه في بدء الخليقة، إن الدماء لا تسقط، ويوم قتل قابيل هابيل وشربت الأرض دمه، وكان أول عهدها بالدم، صرخ آدم في وجه الأرض: كيف تشربين دم هابيل؟ واتعظت الأرض لأن آدم عليه السلام نبي، فلم تشرب دماً أبداً، لا من دم الإنسان ولا من دم غيره، الأرض لا تشرب الدم، يجف على وجهها ينتظر القصاص، أو العفو من أولياء الدم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
د. محمد عبدالله الحاوري
من يعمل سوءاً يجزى به 2904