عاد الرئيس المخلوع فجأة ومتخفياً في جنح الظلام، عاد صالح إلى صنعاء ولكن ليس كرئيس جمهورية مهيب ومؤقر وإنما كمطلوب للعدالة وكفار من عقابها، أما كان هناك طريقة أخرى يواري بها سوأة أفعاله الشنيعة وينهي بها مسيرة حكمه العبثي المخجل؟
لقد عاد إلى موطنه وبطريقة دراماتيكية مهينة لكبريائه كرئيس يدعي مشروعيته المستمدة من قناعة وإرادة أكثر من ثلاثة مليون يمني قالوا له نعم ومن خلال انتخابات حرة شهد العالم بنزاهتها وطهارتها.
الرؤساء المحترمون المبجلون من شعوبهم لا يغادرون خلسة وكرهاً ودونما معرفة أو وداع يليق بهم، الرؤساء المنتخبون ديمقراطياً وشعبياً لا يلجأون لحيلة التنكر والتضليل مثلما فعل صالح عندما عاد إلى بلاده بغتة ومن غير علم الحكومة والصحافة والناس.
رؤساء مافيا القتل والهيروين وغسل المال وغيرها من الجرائم الممنوعة والمحرمة؛ هم وحدهم من يلجأ للتنكر واستبدال الهوية والوظيفة كلما استدعت الحاجة لذلك، لا أدري كيف لرئيس يتباهى دوماً بكونه يمثل رضى ورغبة شعب قوامه ينف 25مليونا؟ فيما هو لا يستطيع المغادرة أو العودة إلا متخفياً وفي ليل حالك وعلى متن طائرة لا يعلم برحلتها سوى نفر من المقربين.
لا أحد في العاصمة التجارية عدن جدير بثقة فخامته ليستقبله في مطارها الدولي، المهمة بلا شك خطرة وتقتضي السرية والكتمان، فسلامة الرئيس الرمز فوق كل الاعتبارات، ليذهب الوطن ومواطنوه إلى الجحيم وليبقى لهما صالح وأبناؤه وأشقاؤه وأصدقاؤه المخلصين.
الرمز الوحدوي التاريخي عاد بسلامة الله وحفظه، كلمات مكررة مملة اعتادها بؤساء قناة اليمن، بدا مشهد العودة مقرفا ومذلا لصاحبه ولجماهيره في السبعين أكثر من غيرهم في عموم الساحات المطالبة برحيله، ما أقسى وما أمر هذه النهاية؟ فالرئيس العائد لتوه من الرياض كان بمقدوره كتابة الفصل الأخير من سيرته وبأسلوب مختلف يحفظ له ربما شيء من الكرامة والشرف، لكن الرجل أبى إلا أن يكتب له الآخرون نهايته وبلون الدم القاني.
هذه النهاية التراجيدية بدأت بعودته المستفزة والمثيرة للشفقة أيضاً، عودة ذكرتني بقصة الأديب الراحل محمد عبد الولي ( ليته لم يعد )، فرؤية صالح بتلكم الهيئة غير المهيبة أو مُجلة لشخص لطالما عُرف بنرجسيته الزائدة وإعجابه بذاته وبالمظاهر الزائفة.
عودته بلا شك أعادت لذهني صورة ذلكم المغترب الشقي الهزيل البدن، العائد لأهله ووطنه جثة هامدة، تتوسد نعشاً خشبياً حمله المشيعون على أكتافهم إلى دار الرجل، فبعد سنوات من الاغتراب ومن الانتظار والفراق عاد بطل القصة إلى داره منهكاً ومتعباً وميتاً ولحد أن من كان ينتظره سنين طويلة ود وقتها ألا عاد له أبداً.
نعم.. ليته لم يعد،فماذا عساه سيقول بذكرى الـ "49" للثورة المجيدة "26" سبتمبر "62" م؟ كان عليه فعل الكثير إذا ما أراد خاتمة مشرفة، لم يوقع مبادرة الخليج ولم يوقف حمام الدم ولا يبدو عليه أنه مستعد لقبول فكرة نقل السلطة إلى نائبه أو سواه، فبرغم أن الرجل كان قاب قوسين من الموت المحتم ومع هذه العودة الثانية من حلق الموت لا يبدو أن عودة صالح إلى وطنه ستكون مختلفة هذه المرة بالذات.
محمد علي محسن
عاد وليته لم يعد ! 2444