المتابع للسياسة التي ينتهجها علي عبدالله صالح منذ أن صعد إلى سُدة الحكم يدرك وبما لا يدع مجالاً للشك أن الرجل اعتاد على التضليل واستمرأ الكذب حتى أصبح لا يستطيع العيش بدونهما، وفي كل مرة كان يقول فيها علي صالح كلاماً يدرك الجميع أنه يريد عكسه تماماً، وأصبح الشعب يعرف الكثير عن (طِباع) صالح المتقلبة، وأهوائه المتناقضة، وتصريحاته التي ظاهرها فيه (الرحمة) وباطنها فيه (العذاب) ، بل والموت المحقق، فيدس في (عسل) الكلام (سُمَّ) الأفعال الزعاف!.
ومع عودته إلى اليمن قبل أيام بعد شهور من العلاج (المزعوم) في السعودية خرج علي صالح بتصريح يقول فيه إنه جاء يحمل (غصن) الزيتون و(حمامة) السلام، وأمر بإزالة كل المظاهر المسلحة من العاصمة والمحافظات، وما إن سمعتُ كلامه هذا حتى انتابتني قشعريرة مخيفة، فأدركت على الفور أن الأوضاع ستنفجر، وكم كنت أتمنى أن أسمع تصريحاً له يقول فيه: أنه جاء لينتقم ممن حاول اغتياله، وإنه سيقضي على جميع من في الساحات، وأنه لن يذهب من على كرسيه (اللعين) إلا بعد أن تنفجر الأوضاع وتتطاير الرؤوس وتسيل شلالات الدماء، فلو قال كل هذا الكلام فربما كان سيحصل انتقال سلمي للسلطة وستسير الأمور (المتأزمة) إلى انفراج قريب، وذلك لأن الرجل تعود أن (يؤشر) يميناً ويتجه بسفينة الوطن يساراً، تعود أن يقول ما لا يفعل، تعود أن يوهم الناس – وإن كان هو الواهم الوحيد – أنه رجل السلام، وأن الوطن من دونه لن يستطيع أن يتنفس، وأن أبناء الشعب من دونه لن يأكلوا ولن يشربوا ولن يذوقوا للحياة أي طعم، ومع درجة الطغيان التي وصل لها صالح، ومع المستوى الحقير الذي وصل إليه حامل (المباخر الصالحية) والذين يزيفون له كل الحقائق توهم الرجل أنه (المهدي المنتظر) الذي يستطيع انتشال البلد من كل الأزمات، وإذا بالأفعال التي تلت كلامه تظهر أن ذلك (المهدي المزعوم) لم يكن إلا (مسيخاً دجالاً) يريد أن يصرف الناس من عبادة رب العباد إلى عبادته هو وحده!.
فأيُّ غصن ذلك الذي عدت تحمله يا علي، هل أنت متأكد أنه غصن (الزيتون)، أم أنه غصن من شجر (الغرقد) التي يهواها اليهود لأنها من شجرهم كما قال سيدنا محمد، أم أنه من شجرة (الزقوم) التي يقتات منها المجرمين والكافرين غذائهم يوم أن لا ينفع الظالمين معذرتهم، ويوم أن يأخذ كل مخلوق جزاء ما فعل، أيُّ غصن ذاك الذي منذ أن عدت وأنت تحمله اتسعت (بِركة) الدم اليمني الغالي، وتكاثرت أعداد الرؤوس المتطايرة والجثث المتناثرة والأشلاء المتبعثرة ، وفاق عدد الضحايا عدد من سقطوا قبل أن تحمل ذلك الغصن (المشؤوم)؟ فبالله عليك أما تستحي، أصبح العالم كله يعرف حقيقتك، وما أخشاه هو أن تكون أنت لا تعرف الحقيقة رغم أن الكثيرين يصفونك بالدهاء السياسي، فهل خانك دهاؤك، أم أن الله لا يصلح عمل المفسدين، وبالتالي يزين لك أعمالك كي يزيد من قائمة الجرائم المسجلة في سجلك (الأسود)؟!
وما هي تلك (الحمامة) التي عدت وأنت تحملها، هل هي نفس الحمامة التي اشتهرت عبر كل العصور كرمز للسلام/ أم أنها شيء آخر لا يخطر على بال أي بشر دونك يا علي؟، هل أنت متأكد أنك كتبتها (حمامة) أم (حِمم)؟، فما رأينا منذ مجيئك إلا (حِمم) النار تكوي قلوب الشباب وتلهب أفئدة الأمهات وتشعل أرواح الآباء وتحرق صدور أبناء شعبك بمختلف أعمارهم وأشكالهم وأصنافهم وانتماءاتهم وأجناسهم، فهل أصابتك (الحمى) ولم تعد تفرق بين (الحمام) و(الحِمم)؟، أفدنا يا عاشق السلام، يا بشير الخير، فقد تشابهت علينا (البقر) كما تشابهت علينا أفعالك وأقوالك؟!.
أخشى أن تكون قد فقدت الذاكرة جراء محاولة اغتيالك (المزعومة)، وأصبحت لا تفرق بين المصطلحات، فواجب عليَّ كفرد من أبناء الشعب المسكين الذي صبر عليك طيلة أكثر من ثلاثة عقود من العمر (التعيس) أن أذكرك بأن (الحمامة) هي رمز السلام، كما هو غصن (الزيتون)، فتأكد – لا حفظك الله ولا رعاك – مِن ما جئت تحمله من السعودية، وفتش حقائبك جيداً لكي تتأكد من هديتك إلينا، وعندما تذهب إلى السعودية مرة ثانية – إن كان لك عمر – فلا تجلب لنا من هذه الهدايا، وإن كان من الضروري أن تأتي لنا بشيء فأهدِ لنا مِن ما يهديه كل من يذهب للسعودية (مسبحة، سجادة، ماء زمزم)، انتبه..ماء زمزم وليس ماء الصديد، أو اهدينا ماء الصديد، فأنت تفهم الأمور بالمقلوب، وتفعل ما لا تقوله، وتقول ما لا تفعله، وبالتأكيد حينها ستهدينا ماء زمزم، ولا حول ولا قوة إلا بك يا قوي يا متين، ما الذنب العظيم الذي اقترفه شعب اليمن لتسلط عليهم رئيساً كهذا؟!!.
tarekal.banna@yahoo.com
طارق فؤاد البنا
أيُّ (غُصنٍ) ذاك وأيُّ (حَمامةٍ) تلك.؟! 2145