أكبر القتلة قاتل الأمل، قول أثير لراجي الراعي أجده خير معبر لحالة اليأس والإحباط والتشاؤم الماثلة، فهذه البلاد وأهلها قتلهما النظام القائم شر قتلة، فمنذ عقود ثلاثة ومواطن هذه البلاد فاقد للأمل، وحين يستبد الإنسان مثل هذا الشعور السلبي القانط بحاضره ومستقبله وبقدراته وإمكانياته على الخلق والتطور فأنه يصير كائناً هامشياً ومحبطاً، لا مكانة له بين الأحياء الفاعلين، الطامحين، المتفائلين بحياة أجمل وغد أفضل.
المتأمل في معاناة اليمنيين ماضياً وحاضراً سيجدها في سلطتهم وفي رأس هرمها على وجه الدقة والتحديد، رحم الله السياسي والكاتب الفقيد/ عمر الجاوي إذ كان قد عبر عن مشكلة دولة الوحدة وبكلمات وجيزة قائلاً: إذا الوجع في الرأس فمن أين ستأتي العافية للبدن؟ قيل هذا الكلام بعيد تحقيق الوحدة مباشرة وها نحن محلك سر وبعد سنين نافت العشرين.
نعم.. مشكلة هذه البلاد ليست بفقرها الشديد للثروة والموارد وإنما مشكلتها الأساسية أنها لم تستثمر إمكانياتها البشرية والطبيعية، الاستثمار الأمثل والناجع، فحين تكون إدارة الدولة تعاني من السقم المزمن فبلا شك ستكون النتيجة كارثية على المجتمع اليمني، بمعنى وجيز أن المشكلة تتعلق هنا بإدارة غير مؤهلة لإدارة وطن وشعب، فالسلطة وتحديداً صاحب القرار الأول فيها جل همه وشغله وتفكيره لا يتعدى إدارة الحكم.
اليمن لديه من الطاقات الكامنة في الإنسان والطبيعة أكبر من أن تستوعبها حكومته وسلطته غير المؤهلتين لإدارة وطن بهذه الكثافة البشرية والمساحة الجغرافية والتحديات الاقتصادية والمجتمعية، الواقع أنه ينقصنا الحُكم المستقر المجسد لتطلعات وآمال اليمنيين لا الحُكم المغتصب والقاتل لإرادتهم وآمالهم في حياة مزدهرة وكريمة.
نعم هذه البلاد تمتلك من المقومات والفرص ما يمكنها من مواجهة مشكلاتها الاقتصادية والوطنية بإمكانياتها المتاحة والمتوافرة دون الانضمام لمجلس التعاون الخليجي أو الإفريقي أو غيرهما من الكيانات التقليدية الجامدة، ولكن ما فائدة وقيمة هذه الطاقات الموجودة إذا ما المشكلة كامنة في رأس الدولة وسلطتها؟، فالحال أن المعاناة مزمنة من هذا المرض الذي أصاب رأس الدولة وفكرها السياسي والإداري.
المشكلة الحقيقية إذاً في السلطة ورأسها، لا كما يظن بعضهم بأنها في الشعب ذاته وفي قدراته وإمكانياته المحدودة والقليلة، كيف ولماذا المشكلة في رأس الدولة وليس في شعبها ؟ فلأن من يحكم ويدير دفة البلاد وبهذه الطريقة الهمجية والفوضوية بلا شك عطل وقتل كل سبل الحياة الكريمة الناهضة بالمجتمع اليمني معيشياً وتنموياً وثقافياً وسياسياً وديمقراطياً ونظامياً.
حُكم جلّ جهده وفكره منصب بحفظ وديمومة سلطته، يستحيل أن يبني وطناً أو يجهد وقته وتفكيره في سبل نهضة شعبه، دعكم من مبررات ومؤشرات وأرقام حكومات اليمن الفاشلة، لنأخذ تركيا والبرازيل والهند وكوريا وماليزيا وغيرها من الدول الصاعدة من قاع الكون إلى قمته وخلال مدة وجيزة لا تتعدى العقد والعقدين.
فهذا الرئيس رجب طيب أوردوغان وفي ظرفية ثمان سنوات قدر له صناعة تركيا الجديدة الصاعدة من حضيض التسكع لدى دول الاتحاد الأوربي إلى رابع اقتصادياته نمواً، الرئيس البرازيلي لويس دا سيلفا في فترة زمنية مماثلة رفع بلده من قائمة الدول الأدنى نمواً إلى كبريات الدول الأربع نمواً في العالم.
البعض للأسف ظن أن أزمات اليمن المختلفة يمكن حلها بالانضمام إلى مجلس أغنياء الخليج، رغم ما بهذا الاتحاد من عيوب جوهرية مهددة لصيرورته في قابل الزمن، فالحاصل أن دول الخليج ذاتها باتت حاجتها ملحة إلى ما هو أكثر من كيان سياسي شكلي يفتقر لمعايير وأسس الاتحادات الاقتصادية، نعم اليمن بضرورة للدعم الخليجي الذي من شأنه مساعدة أهل هذا البلد وفي وضعية حرجة كهذه، أياً كان هذا الخارج ودعمه، فإنه لن يجدي نفعاً لبلد يعاني من سوء الإدارة والتنظيم والتخطيط والابتكار وحتى فقدان الأمل والتفاؤل لدى الإنسان.
محمد علي محسن
من أين ستأتي العافية؟! 2459