عاد.. خلته أي العائد ذلك الزعيم العظيم علي عبدالله صالح الذي قدّم مصلحة الوطن وشعبه على كل اعتبار يوم أقدم على قراره التاريخي معلناً عن تخليه عن الترشح لرئاسة الجمهورية في العام 2006م مفسحاً المجال لغيره وتاركاً اليمن لليمنيين الذين قابلوا قراره ذلك بالإكبار والامتنان الخالد.. قلت في نفسي تلك سيرة العظماء وهذا منهجهم يعزُ عليهم رؤية أوطانهم تغرق في الهلاك ولا يبدون حراكاً، تجسّدت قناعتي بأن العائد هو ذلك العظيم خصوصاً وأنا أرى خبراً عاجلاً على ثلثي شاشة التلفزيون اليمني مضمونه دعوة الرجل جميع الأطراف سلطة ومعارضة إلى الهدنة ..حينها حمدت الله أن بعث لليمن من أبنائها هذا الرجل الذي يحظى باحترام الجميع والذي لا أشك مطلقاً في أنه سينجح في انتشال اليمن من شفا الهاوية والسقوط.. ما أن أتممت كلامي حتى انتشلتني أصوات الرصاص الجميل لأفيق مفزوعاً أتساءل ما الذي يجري.. السماء تمطر رصاصاً وقنابل.. وفي غرة هذا الصباح الجميل!! أي فاتحة مشؤومة ليومي هذا؟!
عرفت وليتني لم أعرف أن كل ذلك العبث كان احتفالاً بعودة من لم يدع شيئاً في البلد صالحاً "صالحاً" من مشفاه السعودي و يخرب ويدمر كل شيء قابل للإصلاح في هذا البلد.
يحتفلون وهذا من حقهم طبعاً.. وكأنه "غاندي" أو "مانديلا" يغفلون أن المحتفل بعودته رأس ما نحن فيه من فوضى وعمودها وذروة سنامها، يتناسون أن المحتفل به ناصب العداء لجل هذا الشعب المسحوق حين قال له كفى عبثاً واستغفالاً، والحقيقة أن بواعث الاستغراب لا تكمن في هذه العودة المفاجئة ولا في توقيتها الدقيق زمنياً فحسب بل حتى في إطلاق النار إذ لم يكن كسابقه من حالات الاحتفال بالظهور الصالحي من المطلع السعودي حيث يطلقون النار لمدة ساعة أو ساعة ونصف وينتهي الأمر لكن هذه المرة ظل إطلاق النار متواصلاً على امتداد نصف ساعات هذا اليوم المريب وكأنهم أي المحتفلون يبرزون – بدون علم – الفارق الكبير بين الظهور المؤقت من السعودية وبين العودة الدائمة إلى الوطن الأصل.
إننا لا نعتب على المحتفلين احتفالهم ولكننا نقول: ونؤكد إن أي احتفال يجب أن يكون حافلاً بأدبيات البشر الأسوياء وأخلاقيات الشعب اليمني لكن ما شاهدناه من سلوكيات المحتفلين يورث في الضمير شعوراً غرائبياً عجيباً لا ينم عن أن هذا العبث بالنار إظهار للبهجة وتعبير ساذج عن الاحتفال بقدر ما يكشف ويوضح مدى الشعور العميق بالنقص القابع في ذوات أولئك العابثين ومدى الخواء العقلي والمنطقي الذي يسكن رؤوسهم، وخصوصاً حين يتحول احتفالهم المزعوم إلى شقاء أبدى لحياة وأرواح الآخرين.
والحقيقة أن خروج صالح بشخصه لا بدوره من اليمن اعتبر شوطاً كبيراً قطعته الثورة على أصحابها وإن ظل يمارس مطلق صلاحياته من العاصمة السياسية حد زعمه والسيئة في رأيي، لكن عودته المفاجئة هذه تُلغي على الثورة ما اعتبرته أمر مفروغ منه ليبتدي اللعب من جديد
وهنا فإن المطلوب من الثورة عدم التريث عند أي حل مزعوم دون ما أردناه منها بل وينبغي أن تضاعف الجهود ويستمر الزخم الثوري والتحرك الشبابي الذي استطاع إعادة الحياة إلى جسد الثورة الذي سكنه الموت لشهور طويلة خسرنا وخسرت فيها الكثير والكثير.
وبالمثل تماماً فكما أن حادث النهدين ظلّ ولا يزال لغزاً مبهماً حتى الآن ليس بالنسبة لنا وحدنا بل حتى لأولئك الذين لا يحتفلون إلا بالرصاص والمدافع.. كذلك هي هذه العودة المفاجئة والتي أجزم أن كل الأبواق الناطقة باسم النظام وحزبه أجهل منا بملابساتها ودوافعها ومسبباتها.
هذا اليوم الكل محتفل.. احتفلوا بأنواع النيران المختلفة واحتفلنا بتساؤلات مفيدة ومشروعة عن العودة وملابساتها ومع يقيننا التام بأن ثورة زادت على الثمانية أشهر وقدمت قبيل هذه العودة بأربعة أيام أكثر من مائة شهيد لا ولن تتوقف أو تتريث عند حدث من الماضي دُفع به إلى حاضرنا، لكن لأن هذه العودة أمرٌ واقعي وجب علينا التعاطي معه دون معرفة ما سيضرنا منه فذلك مستبعد بل لمعرفة ما سنستفيده من ذلك التعاطي وهنا أعود فأقول:
اليوم عاد من جديد
يؤكد التحدي بالتحدي.. ويعلن الوعيد
اليوم عاد من جديد
يجدد التحذير والتهديد والتعدي
بالنار والحديد
على الذين عارضوه
على الذين خلفوه في الهوى وحيد
اليوم عاد من جديد.. يواصل التصعيد
كأنه بالأمس بالأمس القريب
ما سخر البلاد كلها للعرش والتمديد والتوريث والتجديد
كأنه لم يغرس الشقاء في فؤاد الشيخ والوليد
اليوم عاد من جديد.. أهلاً وسهلاً بيننا
أجئت للأحلام والآمال تستعيد؟!
أجئت حاملاً لنا المبادرات بثوبك الأميري الجديد؟!
إن شئت ذاك ياعنيد.. فنحن جاهزون.
لكن لنا شرط وحيد.. وشرطنا لكي يكون ما تريد
في غاية السهولة.. فقط بأن يوافق الشهيد.
عبدالمعين المضرحي
اليوم عاد وكأن شيئاً لم يكن..!! 2220