وأخيراً وبعد طول انتظار عاد علي، صدقني يا صاحب (الفخامة) لقد قلقنا عليك كثيراً يوم أن رأيناك بعد حادث (النهدين)، لم نذق للحياة أي طعم، ولم نتصور كيف سنحيا بدون أن تكون موجوداً في قصرك العظيم، واشتد قلقنا بعد ظهورك على تلك الحالة المزرية، ولكن ما هوَّن علينا مصيبتنا هو رؤيتنا لك في ظهورك الثاني وأنت بحالة أفضل، وأصدقك القول إنه رغم الإشاعات التي تقول إن حادث النهدين كان مجرد (مسرحية) لها أهدافها، وأن تعافيك بتلك السرعة المذهلة هو الدليل، ولكني لم أصدق ذلك، فلا يمكن أن تكون أنت يا صاحب المنجزات (العملاقة) مجرد ممثل، وحتى لو أخذت جائزة (الأوسكار) كأفضل ممثل فهذا لا يرضيني، وحتى لو أتى (جاكي شان) ليأخذ عندك دورة في التمثيل، ولكن واااأسفاه فهناك من لا يعرف قيمتك إلى الآن !.
لقد عشنا لحظات رعب عندما علمنا أنك غادرت البلاد إلى السعودية، وكم ندبنا حظنا وبكينا بكاءً مراً، وفي الوقت الذي أطلق بعض من يقولوا إنهم محبوك وأنصارك أعيرة النار في الهواء ظناً منهم أنك عُدت إلى البلاد أحسستُ بالفرح الشديد، وصعدتُ إلى سطح منزلنا فرحاً وأنا أُمني عيني برؤيتك سليماً معافى لأن هناك من ينتظرك، ولكن خاب ظني بعدها عندما سمعتُ أن كل ذلك لم يكن بمناسبة عودتك، وإنما بمناسبة نجاح العملية الجراحية التي أجريت لك، وفي الحقيقة لم أعرف أي تلك العملية التي نجحت من أصل العمليات الثماني التي أجريت لك كما قلت أنت، ولكن في النهاية عُدت إلينا، عُدت والعودُ أحمد، وبمناسبة هذه العبارة فدعني أبشرك بأن ولدك أحمد قد اشتد عوده، وهو يسير على المنهج والدرب الذي انتهجته أنت، حتى أنه (نكَّل) بأعداء شرعيتك الدستورية، وأراهم (العين الحمراء) لدولتك التي بنيتها (طوبة طوبة) كما قلت أنت، وحتى أنه أرى العالم أن اليمن دولة قوية ولديها أسلحة فتاكة، وتستطيع أن تقتل المئات في يوم واحد من دون أن يهتز له شعرة، بينما في الدول الأجنبية المتخلفة إذا أصيب متظاهر أقام المواطنون الدنيا ولايقعدوها، وربما تودي هذه الإصابة بمستقبل حكومة، وبالتالي يمكنك الآن أن تسافر وتعود وتغادر من دون قلق، فلديك أحمد، وبجانبه أبناء عمومته، الذين لم يتخلوا عنه أبداً، وإنما كانوا (صارمين) كما عودونا دائما، واتبعوا قاعدة (أنا وابن عمي على الغريم) وقد كان غريمهم هو الشعب، تصور حتى (يحيى) الذي كان يلبس (الكرفتات) المدنية كثيراً، ويحاول أن يظهر كرجل مدني من خلال الكثير من الجمعيات (كنعان وجمعية السياحة وغيرها) ومن خلال استضافته للفنانات، وخاصة (مريام فارس) التي أبدت إعجابها بشخصيته، ومن خلال رئاسة أندية الشباب الرياضية، ولكنه حين رأى أن مطالب الشباب تريد المساس بذاتك العظيمة شمر عن ساقيه، وأسند ركبتيه إلى ركبتي أحمد، ووضع كفيه على فخذيه، وقال: يا أحمد، هلُم بنا نريهم كيف تكون هيبة الدولة، فهؤلاء الشباب يرون أننا سنعاملهم مثلما تعاملنا مع (ارتيريا) عندما احتلت جزر بلادنا، ولكن هيهات....، صدقني يا صاحب (الفخامة) لقد ظهر الكثير من رجالك المخلصين، حتى أن بعضهم كان يحلف بالله العظيم على شيء لا يعرف عنه شيئاً، وإنما يفعل ذلك لأن التعليمات التي تأتي من (فوووق) نصت على ما يقوله، وهذا الأمر لا ينطبق على سلطان البركاني وعبده الجندي وياسر اليماني وطارق الشامي وعباس المساوى فحسب، فهناك الكثيرون من المخلصين لك والمحافظون على شرعيتك أنت وحدك، حتى أنهم قالوا إنك الدستور يا علي، وأنك الوطن يا علي، ووصل الأمر ببعضهم إلى القول أنك سادس الخلفاء ونبي الله في الأرض وأنك كل ما تبقى من الإسلام في اليمن، وها قد عدت إليهم، ويجب عليك مكافأتهم ورد الجميل لهم !.
يا صاحب الفخامة أصدقك القول، لقد تمنينا عودتك كثيراً، وخاصة عندما رأينا (المخلوع) المصري مبارك في الزنازين، هل تابعت أحداث المحاكمة وأنت في السعودية، أم أن الكهرباء في السعودية منطفئة دائماً، ولم يصلهم بعد غيض من فيض كهربائنا النووية التي تحققت بفضلك، تصور مبارك في السجن رغم أن الثورة في بلده لم يراق فيها ربع الدماء التي سالت في بلدك، مبارك في السجن رغم أنه لم يبع أراضي بلاده، مبارك في السجن رغم أنه لم يبع الغاز لكوريا بأبخس الأثمان، مبارك في السجن رغم أنه لم يؤجر ميناء عدن في صفقة مخجلة لكل عاقل أريب، مبارك في السجن رغم أنه لم يسمح للطائرات الأمريكية أن تخترق سيادة بلاده وأن تضرب أبناء بلاده، مبارك في السجن رغم أنه لم يسلم المؤسسة العسكرية لأبنائه وأبناء إخوانه، أشياء كثيرة لم يفعلها مبارك وفعلتها أنت يا صاحب الفخامة، ومع ذلك أدخلوه السجن، وأروه كيف تكون الثورة الحقيقية، وكيف تكون إرادة الله وصحوة الشعب، تصور لم يستطيعوا الصبر عليه إلى حين أن يشفى من مرضه، فاقتادوه على سرير المرض، وإمعاناً في التشهير به وجعله عبرة لمن يعتبر جعلوا جلسات محاكمته علنية، والكثير والكثير، وصدقني أنك إذا رأيته على تلك الحالة المهينة فإنك ستبكي (دماً) ليس لأنك تخاف أن يكون مصيرك كمصيره، فاليمن تختلف عن مصر كما قلت أنت رغم أن مبارك كان قد قال إن مصر تختلف عن تونس، ولكن لأن بينكم (عيش وملح) والعشرة ما تهون إلا على....!.
ولكن يا صاحب الفخامة، هناك الملايين التي خرجت تنادي برحيلك، أتذكرها، نعم هي، إن تلك الملايين ترفض أن تتخلى عن مطالبها، وكلما راهنت ومن معك على الوقت لإخماد شعلتهم كلما زادت مطالبهم، ولا شك أنك تذكر تلك الكلمة التي كانت تصم أذنيك وتصيبك بالدوار (إرحل)، يبدو أنهم قد نسوا تلك الكلمة، فصاروا يطالبون بعودتك، وها قد عدت، يريدون عودتك بعد أن سالت الدماء على جميع مناطق وطننا الغالي، يريدون محاكمتك بعد سقوط أكثر من ألفي شهيد وعشرات الآلاف من المصابين، يا صاحب الفخامة : أم الطفل الشهيد أنس السعدي ذو العشرة أشهر تريد عودتك ومحاكمتك فقد حرمتها من فلذة كبدها، والطفلة أفنان اليوسفي تريد عودتك ومحاكمتك فقد حرمتها حنان والدها، وأم الشاب أشرف المذحجي تريد عودتك ومحاكمتك فقد حرمتها رؤية ولدها الشاب والذي كانت تمني عينيها برؤيته عريساً عما قريب، وزوجة وابنتي الشهيد رأفت المخلافي يريدون عودتك ومحاكمتك بعد أن حرمتهم دفئ الأسرة ومشاعر وعواطف عائل تلك الأسرة، لا أريد أن أدخل في التفاصيل، ولكن لتعلم يا صاحب (الفخامة) أن قوائم الشهداء تطول، وأن العدد أصبح كبيراً، وكلما مر الوقت كلما زاد عدد الشهداء، وبالتالي يزيد عدد (غرماؤك) ومن يريدون عودتك ومحاكمتك.
وما يتعجب منه الكثيرون أنك رفضت الرحيل، رغم أن أبناء شعبك قد نسوا – أو تناسوا – كلما فعلته في سنوات حكمك العجاف، فنسى أهل صعدة الحروب الستة التي أحرقت الأخضر واليابس، ونسى أهل الجنوب أراضيهم المنهوبة وثرواتهم المسلوبة، ونسى أكثر من نصف المجتمع أميتهم ومرضهم وجوعهم وفقرهم وتخلفهم، حتى أنهم لم يسألوا عن أرصدتك في البنوك الخارجية، ولكنك لم تستغل هذه الفرصة التي لم تتاح لمبارك وبن علي.
ها قد عدت يا علي فألف مرحبا، وها قد ارتفعت الأصوات التي تنادي بمحاكمتك، فقد سببت لكل مواطن ألماً معيناً، ولا يكاد يوجد من يتمنى أن تحكمه إلا المنتفعون والمأجورون وأصحاب السوابق، حتى عبده الجندي كان سيرفضك لو أنك لم تشتريه بالمال، وبعدها تحول إلى (مهووس) بك وعاشق متيم لك رغم أنه لم يمتلك سيارة كما قال، وربما أنه كان يذهب إلى الوزارة على (موتور)، ولكن بعد الخمسين الألف دولار التي صرفها أحمد له، فقد نسي (عبده) أن له إله، وأصبحت أنت وحدك يا علي إلـهه ومولاه.
ولأن مطالب الشعب تتزايد، وعزائمهم تشتد بمرور الأيام، فلا تراهن على الوقت أو القوة والعنف يا صاحب الفخامة، فإن الشعب إذا أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، وهاهو الشعب يريد الحياة، ولا بد أن القدر سيهبها له عما قريب!!.
tarekal.banna@yahoo.com
طارق فؤاد البنا
وأخيراً بعد طول انتظار..عاد صاحب الفخامة ! 2161