;
د. محمد عبدالله الحاوري
د. محمد عبدالله الحاوري

فلن أكون ظهيراً للمجرمين 2294

2011-09-18 02:56:32


هذه إضاءة في هذا الموضوع، وإلا فإن له كتابات خاصة به، ومن أراد المزيد فليراجعه في مظانه، وسيرى كيف يرفض الإسلام الظلم، ويحرم الركون إلى الظالمين، ويأبى الجلوس مع القوم الظالمين، وهو ما يدعو إليه العقل في ضرورة الثورة على الفساد وأهله، وتاريخ علماء الإسلام كله صراع مع الظالمين، ورفض لمظالمهم، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
إن الدين والعقل والعرف وكل الشرائع السماوية والأرضية تدعو الإنسان إلى رفض الظلم، وإزالة الضر، ودفع الأذى، وهذا أمر اتفقت عليه الفطر السليمة، والأنفس السوية، والأجناس البشرية، فرفض الضيم خلق خلقه الله في الكائنات الحية، والثورة السلمية ما هي إلا رفض للظلم، وطلب للعدل، وإزالة للضرر الذي شمل الحياة في حاضرها ومستقبلها في كافة مناحي الحياة في اليمن.
إن الأصل في مشروعية الثورة السلمية هو النقل الشرعي والدليل العقلي، فأما مشروعيتها من حيث النقل فقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أبرزها قول الله تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (110) سورة آل عمران، فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان لأنه ثمرته، ولذلك جعله الفارق بين المؤمنين والمنافقين، فقال عن المنافقين، {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (67) سورة التوبة، وقال عن المؤمنين، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (71) سورة التوبة.
والمعلوم عند كل أحد أن المعروف الأكبر هو ما يتعلق بالجهاد السلمي السياسي، والمنكر الأكبر هو ما يتعلق بالمنكرات التي تصدر عن ذي سلطان، لأن بلاءها يعم الكبير والصغير، فمظلمة قطع المشتقات النفطية تأذى بها كل فرد في اليمن، ورفع أسعار المشتقات النفطية ظلم كبير أصاب ضرره كل من في اليمن، وقتل المواطنين جريمة لا يقبلها دين ولا عقل ولا يرتضيها ضمير حي، ولا تقبلها نفس سليمة، فمظالم السلطة تدخل تحت المنكر الأكبر الذي يترك شرع الله عز وجل، ويحكم بهواه.
إن القرآن الكريم يقرر اللعنة على المتخاذلين عن القيام بما يجب عليهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (78) كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ (79) } سورة المائدة.
وقد أوجب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تغيير المنكر على كل مسلم، بدليل قوله من رأى منكم منكراً فليغيره، ويضم إلى ذلك وجوب التعاون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن ذلك يدخل تحت قول الله تعالى: "وتعاونوا على البر والتقوى"، فالثورة السلمية هي لأخذ يد الظالم وكفها عن الظلم، وهي أمر بالمعروف ونهي عن المنكر، فالمقرر في كتب الشريعة أن الضرر يزال وضرر السلطان الجائر يزال، وليس هنالك أفضل من الجهاد بكلمة الحق عند سلطان جائر، والله تعالى لا يرضى بالظلم، ولا يقبله، بل لعن فاعله وتوعد من يركن إلى الظلمة بالنار في محكم آياته، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "احرص على ما ينفعك"، وإن زوال الظلم وسلطة الظالمين من أعظم المنافع الدينية والدنيوية، وقد أجمعت الأمة على فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى وجوب التعاون على البر والتقوى، وعلى حرمة قتل المسلم بغير الحق، وهذا من الواضح الجلي لكل ذي عينين.
وأما العقل، فإن الشاة إذا رأت مرعى أخصب من المكان الذي هي فيه تركت المكان الجدب واتجهت إلى المكان الخصيب، وهذا مشاهد للعيان لا يحتاج إلى برهان، ومعاذ الله أن تكون الشاة العجماء والبهيمة من الحيوانات المسخرة أفضل من الإنسان تفكيراً وأهدى منه فعالاً وأسلم منه اختياراً، فإذا قدرت أن تستجلب لك النفع فافعل، فإن العقل يقول: إن المنفعة هدف للإنسان في دينه ودنياه، وكيف لا تكون المنفعة هدفاً وقد ضمنها الله ركن الحج الذي هو فريضة العمر، قال الله تعالى: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (27) } سورة الحـج.
إن المستبد يرى أن بقاءه في السلطة منفعة له، ولو تضررت ببقائه الأمة كلها، والعقل يقول: إن تضرر رجل واحد يترك السلطة لسلامة الأمة خير وأولى، يقول العقل بذلك عند كل الناس، ولا يختلف عاقلان اثنان أن مصلحة الأمة بغالبيتها مقدمة على مصلحة فرد من الناس كائناً من كان.
فهل الأمر بالرضوخ للظالم مع القدرة على تغييره من المعروف أم من المنكر، وهل يقول به العقل أم يرفضه، إنه حتى الحيوانات تثور على الظلم، وتأباه، وتحاول جهدها للتخلص منه، فكيف بالإنسان المكرم الذي يقول الله عنه، {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (70) سورة الإسراء.
        إن الشرع والعقل يؤكدان أن الإنسان إذا وكل شخصاً لمنفعته فأساء في الوكالة، فإن له الحق في عزله فوراً، دون النظر إلى صك عقد الوكالة، لأن إفسادها بالتصرف قد ألغاها، ولأن الموكل يملك أمر نفسه في كل وقت، فله نقض الوكالة وإلغائها، وهذا مما اتفقت عليه الأذهان ولا يحتاج إلى برهان.
أخي القارئ الكريم: إن صمتك مظاهرة للمجرمين، ومعاونة لهم على ظلمهم، فلا تكن بصمتك نصيراً لهؤلاء الذين يقتلون الشباب في الساحات، ويقنصون المصلين بعد الجمعة، ويسفك دم الثوار وهم يسيرون في الطريق الآمنة، ويحرقون المعاقين في الساحات، لا يجوز الصمت على جرائمهم بحال من الأحوال، هيا فمكانك أن يراك الله في نصرة المظلوم، ونصر الحق، لا أن يراك ظهيراً للمجرمين، يقول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} (17) سورة القصص.
       من هنا يمكن القول: إن المنكر هو الإنكار على هذه الثورة السلمية، التي يطالب فيها الناس بحقوقهم المشروعة، وهم سلميون، فالواجب النهي عن قتلهم، والذود عن أعراضهم، والسعي معهم؛ فإنهم يعملون لمصلحة اليمن، وليس لمصحتهم الشخصية؛ بمعنى أن الخير الذي يهدفون إليه هو خير لليمن كله، لكن المتفرجين هم من يؤخر النصر، فلا تكن سيدي القارئ الكريم متفرجاً، فإنك تسأل عن موقفك يوم القيامة، ولكن كن عنصراً فاعلاً في بناء اليمن الجديد، هيا فمكانك أن تكون رصيداً للحق وللخير، وشمر عن ساعد الجد واجتهد، اعتصم في الساحات، وادع غيرك إلى التظاهر والاعتصام، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد